jo24_banner
jo24_banner

الاغتصاب جريمة !

لميس أندوني
جو 24 : تعامل القانون الأردني مع قضايا الاغتصاب هو بجوهره مرآة لتعامل مجتمعي يحمل في طياته إدانة ضمنية للأنثى الضحية إذ يحملها وزر الجريمة وتبعاتها مما يعتبر تلطيخاً لسمعتها , وإن لم يكن نهاية لمستقبلها في حياة كريمة.

باستثناء حالات نادرة, تعتمد على عائلة الضحية, فان على الأنثى وعائلتها القبول بشعور الخجل والعار لجريمة لم يكن لهم أي ذنب فيها إلا إذا كان الجاني من العائلة.

فحماية الرجل هي القيمة الأهم في العائلة والمجتمع, أما المرأة المغتصبة فعليها أن تتحمل حقيقة كونها أنثى فشلت في حماية شرف عائلتها.

لذا فأن نبأ تزويج فتاة قاصر برجل قام بخطفها وتكرار الاعتداء الجنسي عليها صدم فئات من المجتمع الأردني, لكنه لم يشكل صدمة مجتمعية- إذ أن الكثير إما يدين الفتاة في قرارة أنفسهم أو على الأغلب يشعرون بأن هذا هو الحل لتخليص العائلة والفتاة من حكم دائم بالعار.

أي أن غالبية أفراد المجتمع يشعرون بالعجز والخوف من وصمة خزي قد تلحق بهم إذا تحدوا أعرافاً صارت في صلب معتقدات موروثة ومسلم فيها - لا تتأثر لا بتقدم المفاهيم ولا حتى بمستوى التعليم.

في حالة الفتاة التي تم تزويجها بالإكراه - لأنها مرغمة على القبول من مغتصبها - فإنها تعرضت إلى جريمتين واحدة تلو الأخرى - لأنها لم تتمكن حتى أن تصحو من صدمة اختطافها والاعتداء عليها لتجد نفسها مجبرة على العيش و معاشرة الذي لم يأبه بمشاعرها وتعامل معها بكل برود وقسوة, خاصة أن الحادثة لم تأت نتيجة انفعال مؤقت وفقدان سيطرة بل عن تخطيط مع سبق الإصرار والتعمد.

أحس بالغضب على القانون الذي يبرئ الجاني من جريمته متيحا له ارتكاب جريمة أخرى, لا أستطيع تقبل قرار أسرتها, لكن اشعر أيضاً بالحزن الشديد على مأساة هذه العائلة, التي ارتضت ترك ابنتها تواجه عقوبة جريمة لم ترتكبها من دون حتى أن تتاح لها فرصة تضميد جراحها,

لكنني أشعر بالغضب علينا جميعاَ لأننا ارتضينا بأن تصبح ضحية الاغتصاب إنسانا منبوذا منفياً في وحدة آلامها النفسية وإدانتها المجتمعية.

لا يعني أنه لا يوجد هناك بصيص أمل: فلقد بدأ نشطاء حملة مهمة تطالب بتعديل المادة 308 من قانون العقوبات الذي يجبر الفتاة على الزواج من مغتصبها وكأنها كانت شريكة له بكامل إرادتها في فعلته المشينة.

تعديل القانون لن يكون له تأثير مباشر وسريع في تغيير الواقع - لكنه خطوة مهمة لأن القوانين يجب أن تكون علاجاً لآفات المجتمع وليس تجسيداً لمفاهيم وممارسات الظلم فيه.

حدثتني أكثر من صديقة تمارس مهنة المحاماة عن جرائم اغتصاب , خاصة ضد القاصرين وحتى أطفال, يرتكبها الأقارب, وأحياناً الآباء, و يجري التكتم عليها خوفاً من الفضيحة أو غضب الجاني.

هنا يجب القول, بان هذه الجرائم, لا تقتصر على الأردن, لأنها منتشرة في كل العالم , بما فيها الدول الغربية, ولقد قرأنا وسمعنا عن حكايات رهيبة في قسوتها عن أباء احتجزوا بناتهم لسنوات عديدة ومارسوا عليهن شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي.

لكن المشكلة في الأردن, وفي البلدان, أن القوانين لا تشكل رادعاً كافياً , والأسوأ أن المجتمع لا يرحم الضحايا.

لذا فأن ليس هناك وعي كاف, أو جرأة, سواء من الحكومات, أو العائلات والأفراد, بأهمية تقديم العلاج النفسي المطلوب للضحايا الذين تعرضوا لانتهاك صارخ لأجسادهم وأرواحهم - لأن المجتمع يتوقع منهم أن يدفنوا جراحهم لأن في رؤيتها مساً لشرف المجتمع وكبريائه المزيف.

نحن بحاجة أن نتخلص من مخاوفنا, ونبدأ بالنظر والتعامل مع هذه القضايا, برفض حقيقي لهذه الجرائم ولكن أيضا بتعاطف شجاع مع ضحاياها.

فالرحمة في التعامل هي أيضأ تعبير عن الشجاعة - لأن الشجاعة الأخلاقية هي امتحان لإنسانيتنا.
العرب اليوم
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير