سيدات يصمتن على عنف أزواجهن خوفا من لقب "مطلقة"
كتبت- علا عبد اللطيف
إربد - يفضلن الصمت عن البوح خوفا مما يعتبرنه عار اجتماعي يلازمهن طوال حياتهن، إذا ما حملن لقب "مطلقة"، ما يدفعهن للسكوت وكتمان ما يعانين منه من آلام نفسية وجسدية، جراء تعرضهن لضرب مبرح على يد أزواجهن، وأفراد عائلاتهن، وحتى على يد ابنائهن أحيانا.
"أم نديم"، وهي أم لثلاثه أطفال تقطن في محافظة إربد، تقول وقد اغرورقت عينيها بالدموع إنها تعرضت إلى أشد أنواع الظلم من زوجها، وحتى من أهلها، إلا أن خوفها من العار الاجتماعي أجبرها على السكوت وتحمل الأذى خوفا على أبنتها البالغه من العمر 15 عاما.
وتروي "أم نديم" حكايتها، وتقول إن والدها أجبرها على الزواج بعد أن تراكمت عليه الديون جراء لعبة (القمار) لتكون ضحية سداد مبلغ ترتب عليه لصالح لاعب آخر".
وتظهر علامات الضرب على شكل كدمات وألوان داكنة على وجه "أم نديم"، التي توضح أن زوجها "بعد أن يأتي إلى البيت في وقت متأخر من الليل وتكون علامات الخسارة واضحه في وجهه، فيقوم أولا بضرب أولادهما بأسلوب عنيف، حتى أنه يركلهم وهم في فراشهم".
وتتابع أنها حين تحاول الوقوف في وجه زوجها للدفاع عن أولادها يقوم بضربها بكل ما يكون قريب منه من قطع أثاث وعصي وأدوات مطبخ، وفي المحصلة لا يتركها إلى وكأنها "جثة هامدة" تئن عذابا وتنزف دما.
وتشير إلى أن أولادها يأتونها في كل مرة "يقومون بمسح تلك الدماء, وبدموع سخية وعبارات راجيه يطلبون مني عدم إخبار أحد خوفا من أن أترك البيت وتتفاقم المشكلة"، وأمام إلحاح أولادها فإنها تفضل السكوت والانصياغ لرغبة ودموع أبنائها.
وتقول "أم نديم" إن "العيش مع أولادي هو أفضل من العيش مع زوجة أبي التى أقنعته بتسديد ديونه بتلك الطريق لأكون أنا الضحية". وتؤكد أن "خوفي على أولادي، خصوصا على ابنتي من أن تتكرر نفس مأساة حياتي يدفعني إلى السكوت، وعدم الذهاب إلى حماية الأسرة خوفا من عار الحياة الاجتماعية"، في حال طلاقها من زوجها.
ولا يختلف حال "أم شادي" وهو اسم مستعار، عن سابقتها في المحصلة، وإن اختلفت التفاصيل. وتقول "حكايتي أو مأساتي هي مأساة العديد من الزوجات اللواتي يتعرضن للضرب المبرح من أزواجهن، لسبب أو دون سبب، ولمجرد فرض سيطرته وسلطته وتعويض نقص في شخصيته، أو حتى لتفريغ طاقة غضب مكبوتة نتيجة ما يعانيه في وظيفته".
وتتابع "أم شادي" رواية قصتها بالقول إن "زوجي واحد من هؤلاء ولا، أود أن أظلمه أو ألصق به صفات النقص، ولكن حياتنا معا قاربت على الانتهاء أو إنها انتهت فعلا؛ فليس من المعقول أن يجمعنا سقف واحد بعد أن تسبب في إصابتي بعاهة مستديمة".
وتشير إلى أنها تعرف أيضا قصصا لقريبات وصديقات لها "يتعرضن مثلما كنت أتعرض للضرب، ولكن الأمر لم يصل مع أي منهن للدرجة التي وصلت إليها حالتي، فقد أوقعنى زوجي على الأرض وضرب رأسي بالحائط مرارا ودفعني لارتطم بالأثاث كما لو كنت عدوة له، وليس زوجة ضعيفة لا حول لي ولا قوة أمام جبروته وعنفه".
وتوضح أنه "منذ الشهر الأول لزواجنا فوجئت بالوجه الآخر العنيف لشخصية زوجي، ومازلت أذكر أول مرة وجه لي السباب والشتائم فيها، وحينها كان السبب أن مذاق الطعام لم يعجبه فألقى بالأطباق في وجهي، وقام من أمام المائدة وهو يوجه لي السباب ويتهمني بالغباء والجهل وعدم صلاحيتي كزوجة".
وتتابع "أخذت على خاطري منه وأنزويت في غرفتي أبكي من شدة الإهانة التي لم أتوقعها منه، وتحسرت على حظي العاثر (...) فقد عشت شبابي كله أحلم برجل عطوف متفهم يقدرني ويحترمني ويعوضني حياة الجفاف التي عشتها (...) فقد نشأت في أسرة كبيرة العدد؛ إذ يبلغ عدد الذكور 11 ذكر والبنات 4، فيما أقعد المرض والدي عن العمل، ففضل لنا الزواج كونه سترة لنا".
وتقول "عندما أذهب وأشكي إلى أمي ما حصل من زوجي، تسمع لي وتحاول أن تشرح لي أن زوجي هو أب أبنائي، ويجب أن أتحمل كل ذلك خوفا من أن تتفاقم المشاكل بين زوجي وأهلي. ورغم ما تشاهده من كدمات في جسمي تصر على أن لا أبوح لأحد خوفا من أن يطلقنى زوجي".
ومن منظور حقوقي وبحسب وثائق المركز الوطني لحقوق الإنسان، يعتبر ضرب الزوجة انتهاك لحق المرأة، وشكل من العنف، يتوجب مكافحته. كما أن ذلك يدخل تحت باب التمييز ضد المرأة الذي عرفته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأه (سيداو) بأن أي تفرقة او استبعاد او تقييد يتم على اساس الجنس، ويكون من آثاره أو غراضه توهين أو احباط الاعتراف للمرأه بحقوق الانسان، والحريات الأساسية في مختلف الميادين السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والمدنية. إلى ذلك، يؤكد مصدر من حماية الأسرة أن أغلب القضايا المسجلة لدى حماية الأسرة هي قضايا تعذيب الرجل للمرأة، موضحا أن "أغلب الحالات التى سجلت ليست بشكوى مقدمة من قبل المرأة، وإنما يتم اكتشافها عن طريق تحويلات المستشفيات، وخصوصا في حال عدم اقتناع الطبيب بوضعها الصحي، ما يضطره لعرضها على الطبيب الشرعي، والذي يؤكد بدوره تعرضها للضرب ما يجبرها على الاعتراف".
وفي السياق، يرى مختصون ومهتمون في مجال المرأة، ومنهم الزميلة الإعلامية علا عبيدات أنَّ من أسباب العنف الأسري ضعف الوازع الديني، والإدمان على المخدرات والمسكرات، وحب السيطرة والتسلط، والأمراض النفسيَّة، والعوز المادي بسبب البطالة وقلة الدخل والفقر.
ويشيرون إلى جملة أسباب تدفع المرأة إلى السكوت عن تعرضها للضرب من قبل زوجها، وأبرزها الخوف من نظرة المجتمع للمطلقة، والخوف على الأبناء من الضياع والانحراف، إضافة إلى الفهم الخاطئ لمفهوم القوامة والسلطة المطلقة وجهل الرجل بحقوق المرأة وعدم وجود قوانين واضحة ورادعة لظلم الرجل، وثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده ونظرته للمرأة.
وتؤكد عبيدات أن اتفاقية "سيداو" تلزم الدول الأطراف فيها، ومن بينها الأردن، بفرض الحماية القانونيه لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحريه الفعالة للمرأة عن طريق المحاكم المختصة والمؤسسات العامة من خلال تغليظ العقوبات. وترجع عدم الالتزام ببنود تلك الاتفاقية إلى "الأعراف والتقاليد".
ومن جانبه، أكد الناشط في مجال حقوق الإنسان المحامي كمال المشرقي أن "احترام المرأة ومراعاة حقوقها أساس التمتع بالحقوق والحريات الأساسية، وقد ضمنت الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان عموما، واتفاقية سيداو خصوصا، حماية حقوق المرأة وعدم تعرضها للانتهاكات".
ويوضح أن "الدستور الاردني والتشريعات الوطنية تضمن تمتع المرأة بحقوقها بمعيار المساواة مع الرجل. إلا أن الممارسات على أرض الواقع تفرضها محددات غير مقنعة، وأول هذه المعوقات التي تواجه المرأة في حماية حقوقها هي العادات والتقاليد والعار الاجتماعي".
ويقول المشرقي إن "كان المنطق يحتم علينا مراعاة الاحترام والاعتراف بالكرامة الإنسانية، فان الواجب والإرث والقيم والثوابت تحتم علينا نبذ العار المجتمعي، والتطلع إلى إيجاد آليات لحماية حقوق المرأة من خلال ممارسات وسلوكيات مجتمعية".
ويقول إن "المعادلة الاجتماعية قائمة على فرضية غير قابلة لإثبات العكس على أن المجتمع هو أداة من أدوات انتهاكات حقوق المرأة. وهذا نحتاج إلى العمل على إعادة نمط التنشئة الاجتماعية وضمان التغيير المنهجي في تفكير المجتمع من خلال الخطط الاستراتيجية والبرامج التوعوية والتعليمية والاكاديمية لضمان نشر ثقافة حماية حقوق المرأة".
وفي الوقت الذي أعلنت فيه إدارة حماية الأسرة أن عدد الحالات المعنفة للعام الماضي في الأردن بلغ 7931 حالة مختلفة، بين مصدر في الإدارة أنه تم تحويل 27 % منها للقضاء، و12 % للحاكم الإداري، في حين بلغت نسبة الحالات المحولة إلى مكتب الخدمة الاجتماعية 61 %.
وتوضح إحصائيات الإدارة للعام الحالي أن 587 أنثى تعرضن لتعنيف جنسي، 283 فتاة منهن بالغات و295 طفلات، فيما بلغت الاعتداءات الجسدية 48 على إناث أطفال، في حين بلغت على البالغات 1260 حالة،
في المقابل.
وأظهرت الإحصاءات أن المشتكيات المقيمات في إقليم الوسط (العاصمة والبلقاء والزرقاء ومادبا) شكلن النسبة الأكبر من مجموع المشتكيات في كافة الأعوام؛ أي بنحو 81% في 2009، وأكثر من نصفهن (53.5%) في 2010 الماضي، و42.5 % في 2011 الماضي، و30.2 % في الأشهر الثمانية الأولى من 2012.
وشكلت المشتكيات المقيمات في العاصمة، النسبة الأكبر بين 2009-2012، وتراوحت بين 23.2 % في الأشهر الثمانية الأولى من 2012، و63.2 % في العام 2009.
أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين