بانوراما الحراك.. حدث في عيد العمّال
كتب تامر خرمه
في الوقت الذي انجرّ فيه البعض الى خطاب مذهبيّ طائفيّ غريب عن المجتمع الأردني، وقاموا بالاعتداء على إحدى مناطق السياحة الدينيّة في المزار الجنوبي، مسكونين بخرافة "الخطر" القادم من طهران، انحاز حراك أحرار حيّ الطفايلة إلى عمّال وفقراء الوطن، من خلال فعاليّة الجمعة التي كشفت عن حالة متقدّمة من الوعي، وإدراك عميق لطبيعة وشكل الصراع بين الشعب ومنظومة الفساد والاستبداد.
انحياز "أحرار حيّ الطفايلة" للحركة العمّاليّة لم يكن سوى نتيجة طبيعيّة لإيمان الحراك بمبادئ الخبز والحريّة والعدالة الاجتماعيّة، التي شكّلت شعار الربيع العربي الممتد من بحر الظلمات إلى خليج المحروقات، غير أن لفعاليّة الجمعة التي شهدها الحيّ، في هذا التوقيت بالذات، دلالاتها الهامّة فيما يتعلّق بضرورة ملامسة هموم الناس وقضاياهم المعيشيّة، باعتبارها رافعة النضال السياسي وليس العكس كما تتصوّر بعض النخب التي توهم نفسها بأن "معجزة التغيير" ستتحقق بمجرّد وصولها إلى البرلمان عبر تعديل قانون الانتخاب.
أمّا ارتفاع السقف السياسي في فعاليّة وسط البلد والزرقاء على وجه التحديد -ورغم الخلاف الدائر بين أوساط الحراك حول توقيته ومدى انسجامه مع غياب الحاضنة الشعبيّة التي تحتمل طرحه- فلا يتحمّل مسؤوليّته سوى السلطة نفسها، التي وصلت بمغامرتها إلى درجة باتت تهدّد وجود الدولة الأردنيّة، حيث أن وصف القوّات الأمريكيّة المتواجدة في الأردن بقوّات الاستعمار، لم يكن أمراً مبالغا فيه بالنظر إلى جوهر المسألة.
ورغم الدور الوظيفي الذي لا يملك الأردن الرسمي فرصة الانعتاق المفاجئ من استحقاقاته، إلا أنه كان بالإمكان المناورة قليلاً عوضاً عن الارتماء المطلق لتلبية املاءات واشنطن وتوريط الأردن بالأزمة السوريّة تحت ذريعة حماية الشعب السوري، التي يستحيل تحقيقها عبر مدافع اليانكيز وجلاوزة "أبو غريب" !!
بات من الواضح تماماً ان الأردن الرسمي تخلّى عن أيّ دور يمكّنه من المشاركة -ولو بشكل محدود كما كان عليه الوضع قبل بضعة سنوات- في صنع القرار على المستوى المحلّي، حيث ان الانصياع المطلق للاملاءات الخارجيّة، سواء فيما يتعلّق بالبعد الاقتصادي أو السياسي، حدّد القُطر الوحيد لمختلف دوائر صنع القرار.
وأمام هذا الواقع، كان لابد لنشطاء الحراك من التفكير الجدّي في كيفيّة تحرير الفعاليّات الاحتجاجيّة من عزلتها النخبويّة، عبر طرح الشعارات الشعبيّة التي من شأنها استنهاض الشارع لمعركة التغيير، ومن هنا جاءت فعاليّة حيّ الطفايلة لتعلن انحيازها للحركة العمّاليّة ومجمل فقراء الوطن، بالتزامن مع عيد العمّال الذي أراد له اتحاد الشباب الديمقراطي أن يكون نقطة انعطاف توجّه الحراك إلى آفاق الإمكانيّة الواقعيّة لتحقيق أهدافه.
قبل فعاليّة عيد العمّال التي قادها اتحاد النقابات العمّالية المستقلة ظهر الخميس، بذل نشطاء اتحاد الشباب الديمقراطي جهودا منقطعة النظير، وتواصلوا مع كافّة القوى العمّاليّة والنقابيّة الفاعلة، إيماناً منهم بأنّ هذه القوى تمثّل الرافعة الحقيقيّة لخلق حالة شعبيّة قادرة على صنع التغيير، وكان لهذه الجهود ثمارها في التدشين لمرحلة جديدة، يمكن القول إنها بدأت بمسيرة عيد العمّال، التي شارك فيها عدد من الإعلاميّين جنباً إلى جنب مع متضرّري خصخصة معظم القطاعات الإنتاجيّة والخدميّة.
ورغم الخلافات التي تفاقمت مؤخرا بين الحراكات الشبابيّة والقوى الناشئة من جهة، وبعض القوى الكلاسيكيّة من جهة أخرى، إلا أن حزب الوحدة الشعبيّة قرّر المشاركة في هذه المسيرة، استمرارا لذات النهج الذي كرّسه الحزب عبر إعادة تفعيل مكتبه العمّالي، ودعمه الواضح للنقابات المستقلّة، باعتبار تأسيس هذه النقابات يمثّل محطّة بالغة الأهميّة في مسيرة الحركة العمّاليّة.
مشاركة حزب الوحدة الشعبيّة في هذه المسيرة وضعت الامور في نصابها الصحيح، فالمكان الطبيعي لأي حزب يساري لا يمكن أن يكون خارج صفوف العمّال، على عكس ما ذهب إليه اتحاد الشيوعيين الذي نظّم مسيرة أخرى في ذات اليوم، اقتصرت المشاركة فيها على "البرجوازيّة الصغيرة"، وغاب عنها العمّال الذين يفترض ان هذه الفعاليّة أقيمت من أجلهم !
"نحن هنا".. "الشيوعيّة لم تنتهي".. "الشارع ليس حكرا على الإسلاميين".. عبارات تلخّص ما أراد اتحاد الشيوعيين التعبير عنه خلال تلك الفعاليّة التي اتخذت من عيد العمّال شعاراً نظريّاً لها، دون أن يتمكّن الرفاق من الوصول بهذا الشعار إلى ما يمكّنهم من التفاعل مع الفئات الشعبيّة على أرض الواقع.. فالراية الحمراء كانت معزولة -مع الأسف- عن الحركة العمّاليّة التي لا يمكن للحراك أن يتحرّر من نخوبيّته بمعزل عنها.. فهل يتمكّن هذا الاتّحاد من تدارك الأمر، وإدراك أولويّات ومقوّمات استمراره، لكسر ثنائيّة الصراع التي يحاول البعض تكريسها بين السلطة والإسلاميين ؟ تساؤل تبقى الإجابة عليه رهن القدرة على الانعتاق من النظرة الكلاسيكيّة إلى واقع لا يعترف سوى بالتغيير.