jo24_banner
jo24_banner

حرمان الخاطبين من التعرف على بعضهما انتهاك لمواثيق حقوق الإنسان

حرمان الخاطبين من التعرف على بعضهما انتهاك لمواثيق حقوق الإنسان
جو 24 :

كتبت- سلام الخطيب

عمان- رغم أن الشرائع السماوية والإنسانية، على حد سواء، تبيح وجود فترة خطوبة ولمدة كافية بين الشاب والفتاة قبل عقد قرانهما، وضمن ضوابط محددة، إلا أن واقع المجتمع بصفة عامة لا يسمح بوجود تلك الفترة، بزعم أن ذلك قد يسيء إلى الفتاة، ويثير الشبهات حولها.

وتعتبر فترة الخطوبة "هامة جدا" لأنها توفر لكلا الطرفين الفرصة لممارسة حقهما في إعطاء قرار نهائي من الموافقة أو عدمها على الارتباط. وعلى قدم المساواة، فإن فترة الخطوبة حق للشاب والفتاة، يتعرف خلالها كل منهما على الآخر، ما يجعل كل منهما قادر على ممارسة حقهم الإنساني في اختيار شريك حياته.

وكانت عدة دراسات أرجعت ارتفاع نسب الطلاق في الأردن إلى حد كبير إلى عدم وجود فترة كافية قبل عقد القران بين الطرفين تمكنهما من معرفة طبائع وتصرفات الآخر ضمن جو الأسرة.

ومن منظور حقوقي، يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (16) منه أن للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزويج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله، وكذا لا يبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج رضاً كاملا لا إكراه فيه.

وفي القانون الأردني، أشار قانون الأحوال الشخصية في البند الأول من المادة الرابعة منه إلى أن لكل من الخاطب والمخطوبة العدول عن الخطبة.

الخطوبة حق لكلا الطرفين

وتروي فتيات وشبان قصص تظهر أهمية وجود فترة خطوبة كافية. وتقول "سائدة" إن والدها لم يعطها الحق في التعرف على خاطبها قبل عقد القران، ولم يمنح خاطبها أيضا الحق في المجيء لرؤيتها، فاضطرت لأن تعقد قرانها دون أن تعرف ما هي مواصفات الخاطب أو حتى تراه، وبعد أن تزوجت منه اكتشفت أن هناك اختلاف كبير في وجهات نظر كل منهما رغم تقارب العمر بينهما، لكنها الآن مضطرة لتحمل عبء الاختلاف.

وفي ذلك، يقول الدكتور يوسف الشريفين، وهو محامي شرعي، إن من حق الرجل في فترة الخطوبة أن يذهب إلى بيت المرأة التي ينوي الزواج بها، مشيرا إلى أن العرف والعادات في المجتمع تطلق لفظ "مخطوبة" على من عقدت قرانها وهذا ليس صحيحا، حتى في الشريعة الإسلامية.

ويضيف أن هذه الفترة حق للطرفين ليتعرف كل منهما على الآخر؛ فـ"الرجل أو المرأة كلاهما يحمل صفات ايجابية قد تعجب الآخر، ومن جهة أخرى قد لا تعجبه لذلك جاءت هذه الفترة لتعطي تلك العلاقة نوعا من الألفة والمعرفة، شريطة أن تكون نية الخاطب خالصة في اقباله على الزواج".

بدورها، تقول الدكتورة نجلاء صالح، المختصة في علم الاجتماع، أن فترة الخطوبة "مهمة جدا لكلا الطرفين بحيث يتأكد كلاهما أنه من الممكن أن يكمل حياته مع الطرف الآخر، بحيث يحدث بينهما نوع من التوافق الزوجي، وهذا هو الهدف الأسمى من الخطوبة".

وتشير إلى أن "ثقافة الشباب تختلف عن ثقافة البنات، إذ ان للشباب أسلوب توجيهي يتمكنون من خلاله إلى الوصول إلى مزيد من الانسجام ليكونوا أكثر قدرة على تحمل المسؤولية وأكثر تأهلا للزواج".

وترى أنه "في حال لم يتعرف كلاهما على فكر الآخر، ولم يتم تحديد مسؤوليات كل منهما، فهذا سيكون سببا وجيها يدفع إلى الطلاق أو العيش بالاكراه مع الطرف الآخر للحفاظ على أمن الأسرة، وفي كلا الحاتين سيكون جو الأسرة غير صالح لتربية وتوجيه الأطفال".

فترة الخطوبة ليست مقترنة بزمن محدد

قِصر فترة الخطوبة قبل عقد القران قد يكون "سببا ملموسا" من أسباب الطلاق. ويشير "علاء" إلى أن والده لم يسمح له بالتردد على بيت مخطوبته قبل أن يعقد قرانه عليها، وبدأت المشاكل بالتفاقم بينهما "نتيجة التدخل المستمر من والدتها وكثرة طلباتها، والتي تفوق ما كان متفق عليه في العقد".

ولم يحتمل علاء كل تلك الطلبات فأقدم على الانفصال عن خطيبته، لتنضم إلى نسبة المطلقات قبل الدخول.

وفي رده على ذلك أشار الشريفين إلى أن "فترة الخطوبة لا تقترن بزمن محدد، فإذا كان القصد هو الزواج وليتعرف على أفكارها، ولا يقصد به أي شيء آخر، وكان أمام محارمها وأهلها، فالشريعة الإسلامية هنا لا تمنع من تردد الخاطب على مخطوبته، وتكرار الزيارات لها بين الحين والآخر".

ووفقا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن للرجل والمرأة ابتداء من بلوغ سن الزواج، حق معترف به في التزويج وتأسيس أسرة، بحيث لا ينعقد الزواج إلا برضى الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملا لا إكراه فيه.

اختلاف البيئات الاجتماعية والثقافية

ويرجع والد علاء موقفه من رفض تردد ابنه على مخطوبته قبل عقد قرانهما إلى أسباب اجتماعية في مجملها. ويقول "نحن كمجتمع شرقي يسوده التحفظ، ولأن عاداتنا وتقاليدنا طابع يغلف مجتمعاتنا، كان من المفروض علينا أن نحرم أبناءنا من وجود تلك الفترة بينهم رغم إيقاننا بأن أحكام الشريعة الاسلامية أعطت لهم الحق بذلك، ولكن نظرة المجتمع لهم لن تكون مبنية على أساس شرعي في حال وجود هذه الفترة، فالخوف سيبقى ملازما للطرفين سواء الأهل أم الخاطبين نفسيهما".

وتقدم "ناديا" نموذجا مغايرا، يظهر أهمية فترة الخطوبة، فهي توضح أنها تمكنت من التعرف على خاطبها مدة كافية دون أي تدخل من الأهل، وهي في النهاية لم ترتبط بذلك الشاب و"السبب هو الاختلاف الكبير بين بيئتيهما العامة".

وفي هذا السياق، تشير الدكتورة صالح إلى أن "ثقافة المجتمع تلعب دورا لا بأس به في هذه الفترة، فكثير من الأهل يرفضون وجودها نظرا لما تخلفه من مشاكل أسرية، لذلك يحكم المجتمع على الأسر أن تكون تلك الفترة مقيدة، وملازمة لعقد القران، فنظرة المجتمع لا تسمح بدخول شخص غريب إلى المنزل حتى لو كان على درجة عالية من القرابة كابن العم أو الخال وغيرهما".

وتضيف أن "المجتمع الذي نعيشه اليوم هو مجتمع عشائري يخاف من عواقب فترة الخطوبة وكلام الناس، فضلا عن خوفه من تعرض الفتاة إلى الوصمة الاجتماعية، فلا يجوز لها ان تخرج مع من يريد خطبتها بشكل رسمي، ولكن الأدهى أنه لا بأس لها أن تخرج مع شاب في الجامعة او غيرها من باب الصداقة أو الزمالة!! فحتى المجتمع يناقض نفسه بنفسه".

حبل الكذب قصير!

ورغم أهمية فترة الخطوبة، إلا أن البعض يعاني مما يسمى بـ "التصنع"؛ فكل طرف يحرص على أن يظهر بأجمل وجه وأرقى الصفات والأساليب بالتعامل، وما أن يعقد القران "حتى يبدأ الواقع المؤلم بالظهور"، بحسب "توفيق".

وفي رده على ذلك، يقول الدكتور الشريفين من "المفترض أن يكون الشخص معتدلا في تصرفاته وكلامه، فلا يبدي نوعا من التصنع الزائد، وإنما يتعامل على طبيعته، فالتصنع في نهاية المطاف لا بد أن يكشف الشخص على حقيقته".

إلى ذلك، ورد في قرار حمل الرقم 843 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وصدر في الدورة التاسعة عام 1954، نصوص الأحكام المتعلقة بالزواج حيث جاء في المادة (1): لا ينعقد الزواج قانونا إلا بتوفر رضا الطرفين التام الحر وبإعرابهما عنه شخصيا بعد تأمين العلانية اللازمة وبحضور السلطة المختصة بعقد الزواج وبحضور الشهود وفقا لأحكام القانون.

مهلة التفكير سبب لنجاح العلاقة الزوجية

من جهة أخرى يبين "مراد" تجربته مع الفتاة التي كان يعتقد بأنها ستكون شريكة حياته قائلا أنه شاهد الفتاة التي أراد الارتباط بها ثلاث مرات قبل عقد القران وقد رأى فيها الإنسانة الصالحة المناسبة له ولشخصيته، فأقدم على عقد قرانه عليها.

ورغم تباين الأفكار والمواقف إلا أن النتيجة واحدة، فالأغلبية تطالب بوجود فترة خطوبة كافية قبل عقد الزواج، فـ "أم أحمد" تقول بأن استقرار زواجها إلى الآن كان سببه الحرية المطلقة لها بالجلوس مع زوجها حين تقدم لها ضمن مجتمع الأسرة، ما وفر لهما فرصة كاملة للتعرف كل منهما على الآخر.

وتؤيد الدكتورة صالح قول "أم أحمد"، بتأكيدها على أنه "لكي يتوفر استقرار في العلاقة الزوجية من المفترض أن يكون هناك فترة خطوبة، كافية من شأنها أن تديم الزواج وتعطيه مزيدا من القدسية، وذلك ينشأ عنه مزيدا من التوافق الفكري ويولد مشاعر متبادلة بينهما بحيث تمكنها من التوجه إلى مزيد من تحمل المسؤؤلية".

ومن منظور حقوقي، يقول المحامي المختص في حقوق الإنسان كمال المشرقي أنه "يجب أن يتم بناء الأسرة على ثوابت وقيم أساسية تعتمد في أسسها على مدى تقبل الاخر".

ويضيف أن الارتباط بين الخاطبين "من المفترض أن يكون مبني على الاحترام والاعتراف بالكرامة الإنسانية، وهذا يتحقق من خلال معرفة الخاطبين بحقوقهما وواجباتهما الإنسانية، والتي تؤدي الى بناء مجتمع متماسك يسعى الى تأصيل الثوابت والقيم الانسانية".

ويشير إلى أن فترة الخطوبة "تؤدي إلى تحقيق مفهوم العدالة بين جميع أفراد المجتمع، إلى جانب تعزيز مفهوم التربية الصحيحة المنطلقة من مدى تفهم الطرفين لعلاقتهما التي لا تنسجم إلا من خلال كسر حاجز المعرفة بما لهما وما عليهما، حيث تأتي الفترة السابقة لتبادل وجهات النظر قبل الدخول في مشروع الزواج المستقبلي والذي ستأتي ثماره بصورة ايجابية من التعامل السليم المبني على حقوق الانسان وحرياته الاساسية".


أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين

تابعو الأردن 24 على google news