حكومة الروبوتات تدير ظهرها للمعلمين.. ونظريات جديدة في ادارة الازمات حار بها العلماء
جو 24 :
أحمد الحراسيس - حقّ للمعلمين أن يغضبوا، كيف لا وقد فوجئوا بردّ فعل عنيف لدى محاولتهم الاعتصام للمطالبة بحقّهم في الحصول على علاوة الـ50%. وحقّ للأردنيين أن يقلقوا ويخافوا أيضا، فقد كشفت الدولة عن رعونة كبيرة في التعاطي مع أبنائها، كما كشفت حجم انفصالها عن الواقع الذي يعيشه المجتمع الأردني، بالاضافة إلى ما رافق ذلك من تجاوز الحكومة على القوانين والحقوق التي كفلها الدستور ودون وجود أي رادع أو حرص على احترام الدستور وسيادة القانون!
الحكومة ومن خلفها الدولة، ذهبت خلال الأسبوع الماضي للتجييش ضد المعلمين متجاهلة "عن قصد" حقيقة أنها بنهجها هذا تنخر في العامود الفقري في المجتمع وتجيّش ضدّ حملة رسالة العلم وبُناة المستقبل. ولم تتوقف عند ذلك الحد، بل قامت أيضا بالاعتداء على صورة المعلم وقامت بتشويهها واعتدت على حقوق المعلمين كمواطنين يكفل لهم الدستور حقّ التعبير عن آرائهم بسلمية.
الواقع أن الحكومة كانت سبب كلّ الأزمات والمشكلات التي رافقت اعتصام المعلمين الخميس؛ بدءا من توقيف حافلاتهم على الطرق الخارجية واحتجازها دون سبب، واعتقال بعض المشاركين، مرورا باغلاق طرق رئيسة في العاصمة خنقت شوارع عمان، ومن ثمّ منع المعلمين من الوصول إلى الدوار الرابع بوضعهم في مواجهة مع أشقائهم في قوات الأمن والدرك، والاعتداء عليهم بالضرب والاعتقال والغاز المسيل للدموع والمياه.
المشكلة، أن الحكومة وبعد الأزمة المعقّدة التي خلقتها جراء سوء ادارتها وتوكيل الملف لوزير الداخلية سلامة حماد والأمنيين، ذهبت لتعقيد الأمور أكثر، وذلك من خلال اطلالة وزير التربية والتعليم الدكتور وليد المعاني ووزير الدولة للشؤون القانونية مبارك أبو يامين على وسائل الاعلام، وما تضمنته تلك الاطلالات من تهديد ووعيد وتأييد للاجراءات الأمنية البوليسية القمعية التي تعرّض لها المعلمون!
يقول الوزير المعاني إن قضية العلاوات تعود إلى عام 2014، وإن الاتفاق الذي جرى كان بين مجلس نقابة المعلمين (الثاني) ومجلس النواب وليس مع الحكومة، وهذا صحيح، ولكننا الآن نتحدث عن مجلس نقابة جديد تقدم بمطلب شرعي لجميع الجهات الرسمية منذ خمسة أشهر، وأما العودة إلى أوراق واتفاقات قديمة فهدفها خلط الأوراق ليس إلّا، نحن اليوم أمام تحرك جديد تحت مظلة القانون والدستور ليس له أي علاقة بكلّ التفاهمات اللاحقة والسابقة خاصة وأن الحكومة تتبرأ من تلك الاتفاقات.
حقّ للمعلمين ونقابتهم أن يخرجوا ويصححوا المسار الفاشل الذي سارت عليها مجالس النقابة السابقة، خاصة وأن الحكومة تقول إن الاتفاق السابق عام 2014 جرى مع مجلس النواب وغير ملزم بالنسبة لها.
يُتابع الوزير بالقول إن مجلس النقابة (الرابع) انقلب على اتفاق الحكومة مع المجلس الثالث على "المسار المهني"، والحقيقة أننا غير قادرين على فهم هذا الخلط غير المبرر للأمور، فمطلب العلاوة يختلف عن المسار المهني تماما؛ المعلمين تريد العلاوة لجميع المعلمين على الاطلاق ثمّ اجراء حوار حول المسار المهني..
الوزير القانوني، أبو يامين، والذي تقمّص شخصية وزير الداخلية بتوزيع التهديدات للمعلمين، تحدث بمنطق متناقض يحار به العلمان، فقد ظلّ يكرر مصطلح "القانون" دون أن يتطرق أو يُناقش قانونية اغلاق شوارع عمان وتعطيل مصالح العمانيين، وقانونية منع مواطنين أردنيين من التعبير عن رأيهم على الدوار الرابع، وقانونية منع مواطنين من الوصول إلى العاصمة، وقانونية ضرب المواطنين وتوقيفهم، ومنطقية القانون الذي يتيح للحاكم الاداري توقيف مواطنين والافراج عنهم بكلمة من وزير الداخلية أو باتفاق يتوصل إليه مع مجلس النقابة.
ويُتابع أبو يامين بالاشارة إلى أن الحكومة لم توقّع أي اتفاق مع المعلمين وأن الاتفاق كان مع مجلس النواب، وكأن الوزير لا يُبالي باحتجاج المعلمين من حيث المبدأ لكنه يريد توجيهه ضد مجلس النواب، وربما هذا ما يُفسّر توجيه محافظ العاصمة للمعلمين بالاعتصام أمام مجلس النواب وليس رئاسة الوزراء!
الغريب، أن أبو يامين الذي أكد مرارا انفتاح الحكومة على الحوار مع نقابة المعلمين لم يتطرق إلى مخاطبات نقابة المعلمين المتكررة لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز والتي لم يلتفت إليها الأخير ولم يكترث بها بخصوص المطلب الجديد المتضمن منح المعلمين علاوة الـ50%، كما أن الوزير القانوني ظلّ يتحدث ويؤكد التزام الحكومة بالقانون، لكنه تناسى أن الحكومة حرمت الناس حقهم في التعبير عن رأيهم وحقّهم في حرية التنقل، كما قامت بحجز حريتهم لساعات، ويُكيّف القانون ويطوّعه بما يخدم هدفه في احباط تحرّك نقابي مطلبي سلمي للمعلمين، وهذا لن يجدي نفعا مع اصرار المعلمين والتفافهم حول نقابتهم وزحفهم من جميع أنحاء المملكة في سبيل تحقيق هدفهم.
أما إذا كان الوزير يلوّح بامكانية ذهاب الحكومة باتجاه حل مجلس النقابة، فإنها بذلك تكون قد عادت بنا إلى الخلف سنوات وعقود، كما أنها تضع نفسها في مواجهة 150 ألف معلم غاضب وحانق لن يتوانوا جميعا عن تكرار ذات الأسماء التي انتخبوها أو من هم أشدّ منهم، فمجتمع المعلمين ولّاد للقيادات، ولن يسمح بالتلاعب به بهذه الطريقة.
الحقيقة أننا وبعد ما أظهرته هذه الحكومة من سوء في الادارة، لا نستغرب الحالة التي وصلها الاقتصاد الوطني، فالأصل بها بدلا من معاداة المعلمين أن تفتح حوارا جادا وملتزما على أساس احترام حقوق الناس، وتعيد ترتيب أولويات الصرف لديها بدلا من استمرار الصرف على هيئات ومؤسسات ومشاريع وقنوات بشكل غير مدروس وغير مجدٍ.. لكن واضح أن المطلوب هو كسر ارادة الناس جميعا في معركة المعلمين ضد غلواء المستبدين المتشبثين بكراسيهم وصلاحياتهم ومكاسبهم، وضد حكومة من الروبوتات في الدوار الرابع -الدوار المحظور على اصحاب الحقوق- تتحرك بالريموت كنترول وتتصرف بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير..