عزل ترامب
سيف الله حسين الرواشدة
جو 24 :
أعلنت "نانسي بيولسي" رئيسة مجلس النواب الأمريكي بدء إجراءات عزل الرئيس ترامب، بتهمة دعوة حكومة أجنبية للتدخل في الانتخابات الأمريكية، على أثر تسريب مكالمة هاتفية لترامب مع الرئيس الاوكراني طلب فيها منه فتح تحقيق يتضمن اتهام ابن صاحب الحظوظ الكبرى في نيل بطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي للرئاسة "بايدن" بتهمة الفساد، لتدمير سمعة "بايدن" كما فعل مع كلنتون سابقًا، وربط فتح التحقيق بالمساعدات الامريكية لأوكرانيا، وجرت هذه المكالمة في نفس التوقيت الذي كان يدلي فيه "مولر" شهادته حول تحقيقه في ملف تدخل الروس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية.
ولنكون أكثر دقة فما أعلنت عنه "بيولسي" هو بدء تحقيق يجريه مجلس النواب لسحب الثقة من الرئيس وتقيد صلاحياته، وقد لوح الديمقراطيون بهذا الخيار كثيرًا منذ فوزهم بأغلبية مجلس النواب، ولم يدخل حيز التنفيذ الى الآن لسببين، أولهما: طول الفترة التي يستغرقها عزل الرئيس مما قد يؤثر على قواعد الناخبين والثاني والأهم: ضعف فرص نجاح العزل، اذ يسيطر الجمهوريون على أغلبية مجلس الشيوخ الذي يحتاج إنفاذ هذا القرار الى اجماع ثلثيه على عزل الرئيس بعد أن تتم محاكمته في المجلس، هذا على افتراض حصول القرار على أغلبية ٢١٨ مقعدًا من أصل ٢٣٤مقعد في مجلس النواب بداية.
اذن لماذا قامت "بيولسي" بهذا الاجراء؟
للإجابة على هذا السؤال نحتاج لفهم الخارطة السياسية الداخلية الامريكية اليوم وخياراتها المستقبلية، فمع سيطرة الجمهورين على مجلس الشيوخ، فحتى لو تم للديمقراطيين الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة، فسيكون مرشحهم مقيدًا أمام مجلس شيوخ سيعطل أغلب قرارته وسيقف في وجه الرئيس في كل الملفات، وهكذا لن يتمكن الرئيس المستقبلي من تحقيق وعوده الانتخابية على الأقل في أول سنتين من ولايته، أضف الى هذا اجماع معظم الخبراء الاقتصاديين على اقتراب حدوث ركود وأزمة مالية في الأعوام القادمة ما بين عام ٢٠٢٠ و عام ٢٠٢٢، ومع انخفاض سعر الفائدة التي يطرحها البنك الفيدرالي فستكون قدرته على مواجهة أي أزمة مالية ضعيفة جدًا، وهكذا سيرافق فوز أي رئيس ديمقراطي في الانتخابات القادمة شبح أزمة اقتصادية لا يمتلك أدوات معالجتها، ومجلس شيوخ يقيد حركته، مما سيعمل على إضعاف موقف الحزب الديمقراطي في أي انتخابات تالية، ويتسبب في خسارته لمجلسي النواب والشيوخ وحتى الرئاسة وتآكل قواعده الانتخابية.
وهذا يضعنا أمام سيناريو يقدم هذا العزل على أنه مشاغبة لترامب والهاء له عن التركيز في خوض الانتخابات القادمة إضافة لتشويه صورته أمام الرأي العام الأمريكي والدولي واحراج للجمهورين أمام قواعدهم الانتخابية.
ماذا يهمنا في الشرق الأوسط إذا ما كان الرئيس
جمهوريًا أم ديمقراطيًا؟
اجابة هذا السؤال تكمن في تغير القواعد الانتخابية للحزب الديمقراطي ومزاج ناخبيه، ففي آخر استطلاعات الرأي كانت نتائج تعاطف الناخبين الديمقراطيين مع إسرائيل أقل من 25 ٪ لصالح تعاطفهم مع الفلسطينيين، أضف الى ذلك ظهور نواب ديمقراطيين مثل الكساندريا كورتيز، ورشيدة طليب، والهان عمر، الذين يمثلون انتقال الثقل والتوجه الانتخابي والسياسي للحزب الديمقراطي نحو اليسار أكثر، والابتعاد عن تأثير لوبيات المال والسلاح عموماً واللوبي الصهيوني خصوصًا.
نهايةً، كل السيناريوهات ممكنة ، لكن باعتقادي فأي سيناريو لا يحتمل بقاء ترامب في المستقبل القريب هو الأفضل على اية حال.