شرعية الحكومة
سيف الله حسين الرواشدة
جو 24 :
عندما تستمد أي حكومة شرعية وجودها واستمرارها من الشارع وثقته بها، وفي ظل أزمة كإضراب المعلمين اليوم، سيكون همها الأول هو كسب الجهور إلى جانبها، واقناعه بوجهة نظرها ورأييها في معالجة الازمة، حتى تحافظ على وجودها وتبرهن على تمسكها بتعهداتها وبرامجها.
يحصل ما سبق لما تعتمد الحكومة الشفافية في طرح ما يجري، بمصارحتها للمجتمع بماذا عرضت على النقابة خلال اجتماعاتها وما هي مصادر أي زيادة قد تتعهد بها في ظل عجز متزايد تعاني منه الميزانية، وتحت أي رؤية واستراتيجية تحترك الحكومة وتنطلق منها مبادراتها، وانطلاقا من كل ما سبق تكون حلولها المقترحة موجهة في المقام الأول الى الشارع لنيل ثقتهم ودعهم وموافقتهم عليها، حتى تحصل على الزخم المطلوب للاستمرار، لا أن تتقدم بمبادرات فردية بعنوان " هذا ما نستطيعه" وقد يجوز أن نفسر الرسالة أيضا كإحراج للنقابة، ومحاولة لاختراق جسدها.
النقابة القادمة من صناديق الاقتراع أحسنت لعبة كسب الشارع لجانبها، وتمكنت من تحقيق التفاف المجتمع حول مطالبها، إذ عبرت عن حالته وشكواه، فأحس الناس بقرب نائب النقيب والمتحدث الرسمي للنقابة منهم، فهم جميعًا يعانون من الغلاء وسوء الوضع الاقتصادي، يدرس أبناؤهم في نفس المدارس، يشبهونهم في المأكل والمشرب والملبس والهموم، وفي المقابل فإن الغربة بين الشارع والنخب تزداد اتساعًا، هذه الغربة التي تسحب الثقة رويدًا رويدًا من النخب وتهديها لغيرها، هذه الثقة التي تعطي الحكومات شرعيتها عن طريق دعم الشارع لها ولقراراتها مباشرة أو من خلال مجلس النواب، ثقة الناس بأن الحكومات تسعى لغد أفضل للبلاد والعباد.
أزمة المعلمين اليوم واضرابهم فتح شباكًا نطل منه على فداحة المشهد الذي وصلنا إليه من فشل متراكم للحكومات في تطوير القطاع العام، الذي روج له كعبء على الدولة، والسعي "لترشيقه" دون النظر في زيادة انتاجيته ومنحه الأدوات اللازمة لتحسين أدائه، وحماية منتسبيه من العوز والفقر، مما قد يرغمهم الى البحث عن دخل إضافي بعد ساعات الدوام الرسمي – وهذا حال الكثير من العلمين وغيرهم- ناهيك عن الفشل المتراكم في الملف الاقتصادي الذي يدفع ثمنه الأردنيون كل يوم.
أخشى أن تتحول أزمة المعلمين لأزمة تتعمق فيها فجوة الثقة بين الحكومة والاردنيين، تفقد الحكومة فيها شرعية وجودها، فخطاب النقابة اليوم يكاد أن يساوي في خيال الناس خطاب مجلس النواب الذي يحلمون به (وفي ذاكرتهم برلمان ٨٩)، وتكاد النقابة أن تتحول من المطالبة بالعلاوة لمنتسبيها إلى ترسيخ حالة وطنية
جديدة يحتاج التعامل معها الى حكومة جديدة بمنطق سياسي جديد.