jo24_banner
jo24_banner

بانوراما الحراك.. المشهد الأردني في ذكرى النكبة

بانوراما الحراك.. المشهد الأردني في ذكرى النكبة
جو 24 :

كتب تامر خرمه

الفعاليّات الاحتجاجيّة التي شهدتها الجمعة الأولى بعد ذكرى النكبة، جاءت لتكرّس ذات العنوان الذي التقت حوله مختلف أطياف الحراك الشبابي والشعبي خلال الجمعة السابقة، دون أيّ تنسيق فيما بينها، حيث شكّل الربط بين المطالبة باجتثاث الفساد والتمسّك بحقّ العودة محور الاعتصامات والمسيرات التي نظّّمتها قوى الحراك المختلفة في معظم المدن والمحافظات.

حقّ العودة واجتثاث الفساد، ركنان أساسيّان لذات المطلب الذي يشكّل -وحده- حالة اجماع شعبيّ، والذي يمكن التعبير عنه بمطلب تحرير الأردن من قوى الفساد والاستبداد التي تهدّد خبز الأردنيّين وكينونة الدولة في ذات الوقت.

وإدراكا من مختلف قوى الحراك -بأطيافها ومشاربها الفكريّة المتعدّدة- لجدليّة العلاقة بين مطلب اجتثاث الفساد واستعادة الثروات الوطنيّة المنهوبة، ودعوات التصدّي للمشاريع التصفويّة التي تستهدف القضيّة الفلسطينيّة وهويّة الدولة الأردنيّة على حدّ سواء، كانت مختلف الفعاليّات الاحتجاجيّة التي عمّت البلاد بمثابة دعوة وطنيّة صادقة لحماية الأردن من مغامرة السلطة التي تدفع بها الاملاءات الخارجيّة -خاصّة فيما يتعلّق بالأزمة السوريّة- إلى أقصى درجات التطرّف.

ورغم حالة الوعي التي عكستها فعاليّات الجمعتين الماضيتين، والتي تعبّر عن بلورة العنوان الشعبي الجامع لمختلف الحراكات الشبابيّة والشعبيّة، والقادر على خلق حاضنة اجتماعيّة تضمن استمرار الحراك حتى تحقيق أهدافه، إلاّ أن مسألتين اساسيّتين حالا دون تشكيل هذه الفعاليّات لنقطة انعطاف يتخلّص بعدها الحراك من لعنة الانحسار في إطار النخب، سواء النخب الحزبيّة أو الشبابيّة، التي أعاد بعضها إنتاج ذات الأخطاء والأمراض المتعلّقة بعشق الذات وحبّ الظهور.

المسألة الأولى تتعلّق بلعنة الفرديّة التي شكّلت السبب الرئيس لتراجع الحراك في الآونة الأخيرة، حيث أن غياب التنسيق، أو لنقل تراجعه إلى أدنى مستوياته، بين مختلف القوى الشبابيّة والشعبيّة، مقابل تضخّم الذات لدى البعض، أدّى إلى فشل الحراك في الانتصار لقضيّة الأسرى الأردنيّين في المعتقلات الصهيونيّة، بل وفي تنظيم مسيرة يشارك فيها عدد يليق بعنوان كعنوان النكبة، حيث اقتصرت المشاركة في معظم الفعاليّات الاحتجاجيّة على العشرات، رغم أن هذه الفعاليّات جاءت في وقت بلغ من الحساسيّة ما يستوجب الاستماتة في استنهاض الشارع من أجل معركة المواجهة مع المشاريع التصفويّة، بل إن حساسيّة الظرف دفعت حتى بالمجلس النيابي إلى تبنّي خطاب وطنيّ قوميّ لم يسبق لأيّة مؤسّسة رسميّة أن تحدّثت بمفرداته منذ عشرين عاما على الأقلّ، وبعيدا عن المنطلقات الشخصيّة للغالبيّة العظمى من النوّاب، إلاّ أنّه كان الأجدى بالحراك الاستفادة من هذه "اليقظة" البرلمانيّة.

ورغم وصول حالة السخط الشعبيّ إلى أعلى درجاته إثر تفشّي الفساد واستعار الأسعار بما يقوّض خبز المواطن، والانصياع الرسمي لمشاريع تقويض الدولة الأردنيّة وتوريطها في الأزمة السوريّة، وفي ذكرى نكبة فلسطين، تقتصر المشاركة بالفعاليّات الاحتجاجيّة على بعض النخب، أو لنصفهم كما يميل احد الأصدقاء ب "الطلائعيّين".. الأمر الذي يفرض على الحراك مساءلة ذاته والاعتراف بالأسباب التي أدّت إلى تراجعه لأدنى مستوياته وفشله في الارتقاء بالجهد الجمعي والعمل المشترك.

أمّا المسألة الثانية فهي إصرار بعض القوى الكلاسيكيّة على تجاهل العلاقة بين استشراء الفساد وتفاقم الأزمة الاقتصاديّة، وبين المواجهة مع المشروع الصهيوني، لتلجأ هذه القوى إلى التعامل مع المسألتين بشكل منفصل، أو الاستناد إلى مقاربة أخرى تربط فيها مشروع المواجهة بمطالب إصلاحيّة تفتقر إلى الإجماع الشعبيّ، والمقصود هنا هي المطالبة بتعديل قانون الانتخاب وتحقيق بعض الإصلاحات الشكليّة، وهو الشعار الذي لا يمكن الاستناد إليه لاستنهاض الشارع من أجل فرض مطالب الحراك على أجندة السلطة.

لا نقلّل من أهميّة تعديل قانون الانتخاب وإجراء الإصلاحات السياسيّة المنشودة، رغم ان هذه الإصلاحات وإن تحقّقت فإنّها لن تقود إلى تنفيس الاحتقان الشعبي كما كان الأمر في العام 1989، فتحسين شروط اللعبة الديمقراطيّة لا يعني تغيير النهج الاقتصادي، خاصّة وأن القوى التي تطالب بالتغيير الاقتصادي الجذري في خطابها النظري -إذا سلّمنا بأن الوصول إلى البرلمان يعني صناعة القرار في دولة كالأردن- غير قادرة على تشكيل أغلبيّة نيابيّة، حتّى وإن صاغت هي نفسها مفردات قانون الانتخاب الذي يناسبها، بدليل فشلها حتى الآن في استثمار الظرف الموضوعي الذي تبلور قبل سنتين، بل وفشلها في قيادة الحراك أو على الأقل الحفاظ على زخمه.

ولا ننسى أن المطالبة ببعض الإصلاحات السياسيّة كتعديل قانون الانتخاب وقانون الأحزاب على سبيل المثال، لا تحتلّ الأولويّة فيما يتعلّق بالهموم الشعبيّة، أضف إلى ذلك أن تحسين شروط اللعبة الديمقراطيّة لصالح القوى الحزبيّة يتطلّب بالضرورة التطرّق لمسألة التمثيل، فهل تشكّل زيادة تمثيل الفلسطينيّين في البرلمان نقطة توافق شعبيّ ؟! وهل يمكن للتمثيل النسبي الكامل أن يشكّل حجر الرحى في مواجهة المشروع الصهيوني ؟!

وفي حال وافقت السلطة على تعديل قانون الانتخاب دون المساس بمسألة التمثيل، فهل يمكن القول عندها أن الأردن بات يمتلك قانون انتخاب ديمقراطيّ وعصريّ ؟!

لهذه الأسباب، وغيرها من الأسباب الأخرى المتعلّقة بأولويّات الناس وتصوّرات الشعب الأردني لمفهوم الديمقراطيّة، فإن المطالب المتعلّقة بالإصلاحات السياسيّة الشكليّة لا يمكن لها أن تستنهض الشارع في معركة التغيير السلمي، وعلى العكس من ذلك فإنّ تبنّي الهموم الاقتصاديّة والمعيشيّة، وتبنّي الاحتجاجات العمّاليّة ودعمها بكافّة السبل والوسائل، وصياغة الخطاب السياسي بما يراعي العلاقة بين استشراء الفساد وغلاء الأسعار وبين كينونة ومستقبل الدولة الأردنيّة ومشروع المواجهة مع العدو الصهيوني، يمكن له منح الحراك الحاضنة الشعبيّة التي تضمن استمراره، بل ونجاحه في فرض مطالبه على السلطة، هذا في حال استطاع الحراك -قبل أي شيء- توحيد جهوده وتفعيل العمل المشترك، بعيداً عن النزعات الاسبارطيّة والأمراض الفرديّة.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير