jo24_banner
jo24_banner

لبنان يثور على امراء الحرب.. رهانات على الفوضى والفراغ.. والشعوب التائهة تستبدل طاغية بطاغية!

ايهاب سلامة
جو 24 :


لم يكن قرار الحكومة اللبنانية المباغت بفرض ضريبة جديدة على البنزين والإتصالات المجانية عبر تطبيقات الهاتف الخلوي، سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، سبقته تراكمات واحتقانات، تجمعت كقطع البازل، من فساد نخر الطبقة السياسية الحاكمة، لقضايا الفقر والبطالة وغلاء المعيشة وارتفاع الاسعار، اضافة لتردي البنية التحتية، لمشاكل يومية تمس حياة المواطنين، من انقطاعات الكهرباء، والماء، وازمة تكدس النفايات، لسلسلة طويلة من الدوافع التي أوصلت الشارع للإنفجار.

لبنان، تلك الدولة العربية التي ما انفكت تخرج من حرب أهلية طائفية امتدت طيلة 15 عاما أحرق فيها الأخضر واليابس، حتى دخلت في أزمة تلو أخرى، بعد أن تم تقاسم البلاد كالغنيمة بين أمراء الحرب الذين تركوا الشارع يعاني تحت وطأة ظروف اقتصادية ومعيشية ملتهبة، وصل غليانه مرحلة الإنفجار الطبيعي، بعد عجز الحكومات ومؤسسات الدولة المقسمة بالمحاصصة على ذات أمراء الطوائف، عن إيجاد حلول تنموية واقتصادية كفيلة بعيش مواطنينهم بكرامة.

خروج اللبنانيين عن طورهم بمختلف مذاهبهم السياسية والطائفية إلى الشارع، بعد وصولهم لمرحلة إحباط جمعي ترجموه إلى ثوران شعبي عارم، كان أمره يسير التوقع، فيما تجاهلت ذات الطبقة السياسية المتحكمة، التقاط مؤشراته زمناً طويلاً، وأغمضت عينها عنه، وصمّت آذانها عن أنين الناس وما وصلوا اليه من معاناة لم يعد بامكانهم احتمالها.

الساحة اللبنانية التي كانت مسرحاً لأجندات سياسية خارجية، توحدت هوياتها السياسية والطائفية الفرعية فجأة، وأسقطت من حساباتها التجاذبات الداخلية، وتوافقت في اصطفافات تلقائية عفوية على شعارات موحدة متناغمة، متعارضة مع مختلف انتماءات تياراتها السياسية والطائفية المترفة الحاكمة.

القرارات الحكومية الترقيعية الفورية التي حاول من خلالها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري امتصاص غضب الجماهير الساخطة، بالغائه قرار فرض الضرائب عقب ساعات من اقراره، ومن ثم امهاله ائتلافه الحكومي 72 ساعة لوضع أجندة إصلاحات اقتصادية، تلاها قرارات بخفض رواتب الوزراء والنواب بنسبة 50 بالمائة، وزاد بإعلانه أن موازنة 2020 ستكون خالية من الضرائب، ووعده أيضاً بسنّ قانون لاستعادة الأموال المنهوبة، وصولاً إلى دعوته لانتخابات نيابية مبكرة، يجسد ذات المشهد البوليودي التقليدي الذي تؤديه الانظمة العربية عادة بشكل متأخر، ولسان حاله يستنسخ جملة الرئيس التونسي المخلوع الراحل زين الدين بن علي: الان فهمتكم.

بموازاة العاصفة الشعبية الساخطة التي اجتاحت الشارع اللبناني، يبدو أن الخليج العربي، وعلى رأسه المملكة العربية السعودية، لم يعودوا معنيين بالساحة اللبنانية حالهم السابق، ومن الواضح أنهم رفعوا أيديهم عن حكومة سعد الحريري، بعد وصولهم فيما يبدو إلى قناعات بأن استراتيجيتهم المتبعة لسنوات طويلة، فشلت أمام الحزب القائم بالأعمال الايرانية، وان أدواتهم السياسية هناك، أصبحت تخدم خصومهم بدلاً من اضعافهم، بعد دخولها معهم في توافقات اثنية، وتغطيات حكومية، على من يفترض بها منازعتهم!

ربما قرأ البعض، أن الفوضى والفراغ في لبنان، قد يخدم الأجندات التي تهدف إضعاف المد الايراني، وتربك حزب الله، وتدخله في دوامة داخلية، تستنزف قواه بشكل قد يكون مجدياً اكثر من الاستمرار في ذات السيناريو التقليدي القائم لإضعافه، لكنها من جانب اخر، قد تترك الساحة لحزب الله وحده، وتعزز سيطرته، وبالتالي، تدعّم النفوذ الإيراني في البلاد والمنطقة.

عموماً، ما يحدث في لبنان، يمكن إسقاطه على جميع الدويلات العربية، وقبائلها المحبطة من المحيط الى الخليج. فالنظام العربي برمته غارق في أزمة مصيرية، بعد اخفاقه في تلبية تطلعات شعوبه الاقتصادية والمعيشية، رغم تخليها وتخليه بشكل كبير عن مطالبها القومية، وحصر سقف طموحها برغيف الخبز والواتساب!

الطبقة السياسية العربية كذلك تعاني بمجملها من الفساد، وتدير دولها كمجلس ادارة شركة قابضة.

في المقابل، فان المشهد العام للشارع العربي رغم شعبويته، فهو مخيب لامال المستقرئين بعمق لمآلات الثورات الغوغائية، إذا ما احتسبت مبررات التحركات الشعبية اقتصادية مطلبية بالدرجة الأولى، وليست سياسية.

الحراك الشعبي الاقتصادي، يمكن احتواءه بشكل أسلس وأسهل من احتواء الحراك السياسي المؤطر، الذي لا تستطيع الأنظمة السياسية تحقيق مطالبه وطموحه.

الشعوب التي يحركها الضغط على جيوبها، وصمتت دهراً من الزمان على قضاياها المركزية، وأغلقت عيونها على ذبح الأطفال والنساء في العراق وسوريا واليمن والسودان ولبنان وفلسطين وليبيا الخ، تعاني هي الأخرى من فسادها، حال أنظمتها الحاكمة.

الثورات العربية لم تنجح طيلة تاريخها، بخلع حاكم مستبد، إلا واستبدلته بمستبد ألعن. والشعوب العربية ذاتها، بحاجة إلى ثورات على ذاتها، في الوعي والفكر والاخلاق أيضاً..

الأنظمة المستبدة، ستظل جاهزة للتفريخ والاستنساخ، وتولي مقاليد الحكم، في الدول المفرٌغة من وعي شعوبها. والثورات التي لا تنتج قادة، ولا تقرر مصيرها لاحقاً، ستستبدل دكتاتور بدكتاتور آخر، وتخلع طربوش دريد لحام، لترتدي طربوش غوار الطوشة!
 
تابعو الأردن 24 على google news