حقوق الإنسان ليست لوغاريتميّات غامضة يا صنّاع القرار
جو 24 :
كتب تامر خورما -
حقوق الإنسان وبديهيّات الحسّ السليم، مازالت -مع الأسف- تعدّ مطلبا في كثير من الدول المتعثّرة حقوقيّا، والتي لم ينجح الأردن حتّى اليوم في الخروج من دائرتها.. الأبجديّات المتعلّقة بحريّة التنقّل وحق حريّة الرأي والتعبير، وغيرهما من الحقوق الأساسيّة، ليست لوغاريتميّات معقّدة تستوجب كلّ هذا التخوّف من ترجمتها إلى واقع اجتماعي- سياسي معاش، ولكن يبدو أن هنالك من تتملّكه فوبيا التقدّم!
ماذا يعني أن تمنع مواطنا من السفر لمجرّد إبداء رأيه ذات محطّة سياسيّة، أو التعبير عن سخطه من الواقع الإقتصادي المجرّد من العدالة الإجتماعيّة.. الناس ضاقت ذرعا بمسلسل التدهور الذي لا ينتهي، فهل بات حتّى "التنفيس" جريمة يعاقب عليها القانون، وتثير حفيظة "عسس" شبكات التواصل الإجتماعي؟!
الأرقام المرعبة التي كشفها المركز الوطني لحقوق الإنسان، خلال مؤتمره الصحفي يوم الإثنين، أفادت بوقوع 143 حالة انتحار خلال العام الماضي.. بأخذ منظومة العادات والتقاليد، والخلفيّة الثقافيّة للمجتمع الأردني، بعين الإعتبار، فإن هذا الرقم لا يستهان به على الإطلاق.
لا يحتاج الأمر إلى كثير من التحليل لإدراك حجم الأزمة المركّبة التي تعتمل في البنيّة الإجتماعيّة.. ولكن الأمراض المستعصية، والتي عبّرت عن نفسها سواء بحالات الإنتحار، أوبالعنف الإجتماعي، وتزايد معدّلات الجريمة، لم تكن نتيجة الفقر والفاقة وما تسبّبت به السياسات الإقتصاديّة من أزمات فحسب، بل تقاطع هذا مع عنف غير مبرّر فيما يتعلّق بالقضايا الحقوقيّة، وانخفاض سقف الحريّات إلى درجة مقلقة.
332 قضيّة بحق عاملين في مديريّة الأمن العام رصدها المركز الوطني لحقوق الإنسان، لم يتجاوز ما أحيل منها إلى محكمة الشرطة العشر قضايا. كما تلقّى المركز خلال العام الماضي 107 شكوى لمواطنين تعرّضوا للتعذيب على يد الأجهزة الأمنيّة.
ما هو سرّ هذا العنف الذي لا يمكن تبريره؟ خاصّة في ظلّ المثابرة الدائمة على رفع أداء العاملين في الأمن العام، وتأهيلهم وفقا لأعلى المعايير، من خلال دورات وندوات وورش عمل، وغيرها من سبل الإعداد والتثقيف؟
حتّى حقّ حريّة الرأي والتعبير بات فريسة لكثير من القوانين التي تتناقض مع حقوق الإنسان، خاصّة قانونيّ الجرائم الإلكترونيّة، والمطبوعات والنشر.
168 مواطنا تمّ توقيفهم خلال العام 2018 بسبب قانون الجرائم الإلكترونيّة، الذي يفرض رقابة حتّى على وسائل التواصل الإجتماعي، ويفرض عليها رقيبا وعتيدا.
من تكميم الأفواه، إلى تجاوزات على حق التجمّع السلمي، واعتقالات، وحالات تعذيب، إلى قرارات توقيف إداري غير مبرّرة، وتجاوزات على شروط المحاكمة العادلة.. كلّ هذا وهناك من لايزال يتغنّى باسطوانة "الأمن والأمان".
البعض قد يقلّل من أهميّة هذه الأرقام المعلنة، لكن وجود حالة تعذيب واحدة فقط، أو مجرّد حالة فرديّة للإعتداء على حق حريّة الرأي والتعبير، يستوجب محاسبة كلّ مسؤول تورّط في مثل هذا الشأن.. هذا إذا كان الأردن حقّا يعتزم الإرتقاء بالواقع المعاش، عبر إصلاحات حقيقيّة.
ماذا يعني اعتقال مواطن بسبب منشور لا يسمن ولا يغني من جوع على شبكة "الفيسبوك" مثلا، أو تعذيب مشتبه به لم يصدر بحقّه حكم قضائي، أو إصرار حاكم إداري على حجز حريّة آخر رغم إخلاء سبيله من قبل السلطة القضائيّة؟
الدول الناشئة، ومنها الأردن، تتصرّف وكأن شعوبها لا تستحقّ أن تعيش بما يليق بحقوقها الإنسانيّة.. وكأن هذه الشعوب تختلف عضويّا عن غيرها من البشر!! ومع الأسف كثيرون يعتبرون أبسط تلك الحقوق أضغاث أحلام!!
الأردن ليس من ضمن الدول التي تعاني حكم ديكتاتوريّات دمويّة.. هذا لا يعني مقارنة أوضاعنا بالأوضاع في تلك الدول، بل على العكس تماما، فإن هذا يستوجب المحاسبة الجادّة لكلّ متورّط بتجاوز حقوقي، بصرف النظر عن منصبه..