هل يوجد تعذيب ممنهج في الأردن؟
جو 24 :
تامر خورما -
الأرقام التي وردت في تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان، للعام 2018، تكشف ارتفاع عدد القضايا المسجّلة بحقّ عاملين في مديريّة الأمن العام، إلى 332 قضيّة، تمّت الإدانة في 51 منها، مقارنة بـ 45 قضيّة تمّ تسجيلها في العام 2017.
وقد بلغ عدد الشكاوى التي تلقّاها المركز خلال العام الماضي، فيما يتعلّق بالتعرّض للتعذيب، (68) شكوى، فيما بلغ عدد القضايا المتّصلة بسوء المعاملة في مراكز الإصلاح والتأهيل (29) قضيّة.
استمرار مخالفات أفراد من الأجهزة الأمنيّة من طول فترة التوقيف، وعدم الإلتزام بمعايير المحاكمة العادلة وضماناتها للمحتجزين، والتعسّف في استخدام السلطة، خاصّة في حالات التوقيف الإداري، وإجراءات المنع من السفر، والممارسات التعسفيّة واللاإنسانيّة خلال المداهمات، والمعاملة القاسية، والتعذيب في مراكز الإحتجاز.. الخ كلّ هذا يفرض سؤالا في غاية الأهميّة: هل هناك تعذيب ممنهج في الأردن؟
بصراحة لا يمكن الإقرار بوجود حالات تعذيب على نطاق واسع، وإنكار وجود ممارسات تعذيب ممنهجة في ذات الوقت؟ حتّى وإن كانت هذه الممارسات تعبّر عن حالات فرديّة، إلاّ أنّ انتشارها يفرض العديد من علامات الإستفهام.
نقيب المحامين مازن ارشيدات، يقول في تصريحاته لـ الأردن24 إن تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان أثبت وجود التجاوزات التي كانت النقابة تحذّر منها، كما أثبت تغوّل السلطة التنفيذية، مرجحا أن يرتفع عدد التجاوزات التي يمكن رصدها في تقرير العام الحالي.
وانتقد ارشيدات أيضا النهج الذي وصفه بالعنيف في ممارسات السلطة التنفيذيّة، منوّها لتزايد الإعتقالات والمداهمات لمنازل المواطنين، بطريقة غير مشروعة، وتلفيق التّهم للنشطاء، وتحويلهم إلى محكمة أمن الدولة، إستناداً لقانون منع الإرهاب.
اللافت أن الأردن كان قد صادق على اتّفاقيّة مناهضة التعذيب الدوليّة، دون أن يوافق على المصادقة على البروتوكول الإختياري الملحق بتلك الاتّفاقيّة.. لماذا؟
رئيس مركز عدالة، المحامي عاصم الربابعة، يردّ هذا إلى وجود "إرباك في فهم طبيعة الدور المنوط باللجنة الفرعيّة الدوليّة لمنع التعذيب". الزيارات المرتبطة بعمل هذه اللجنة تكون دائما معلنة وتتمّ بالتنسيق مع الدول المصادقة على هذا البروتوكول، كما أن التقارير الصادرة تبقى في إطار السريّة ما لم تفصح الدولة نفسها عمّا جاء فيها، ولكن يبدو أن هناك عدم وضوح حول الآليّة الوطنيّة المطلوبة للالتزام بهذا البروتوكول وفقا للمعايير الدوليّة.
على أيّة حال، الأردن ألزم نفسه عبر المصادقة على هذه الاتّفاقيّة بمناهضة التعذيب، ما يعني أن أيّة تجاوزات تستوجب المحاسبة والمساءلة. ولكن عدد الشكاوى يرتفع من عام إلى آخر، ما يهدّد بتراجع الأردن فيما يتعلّق بمؤشّرات الإلتزام بحقوق الإنسان.
تزايد عدد الشكاوى المقدّمة بحق عاملين في الأجهزة الأمنيّة يثبت تزايد الانتهاكات والتجاوزات، خاصّة فيما يتعلّق بسوء المعاملة أو التعذيب في مراكز الإحتجاز الأولي وكذلك مراكز الإصلاح والتأهيل، ولكن هذه الشكاوى تعدّ أيضاً مؤشّرا إيجابيّا، وفقا للربابعة الذي يشير إلى أن هذا يعكس ازدياد وعي الناس، في ظلّ غياب الثقة بآليّات التحقيق.
ولكن الربابعة يؤكّد أيضا أن "عدد الشكاوى لا يعطي مؤشّرا على حجم الظاهرة ومدى انتشارها"، مشيرا إلى أن تفاقم حالات التعذيب "يعود لغياب بروتوكول خاص لعمليّة التحقيق، حيث يتمّ التعامل مع المشتبه بهم باتّهاميّة، وليس استنادا إلى قاعدة أن المتّهم بريء حتّى تثبت إدانته".. ولكن ما العمل؟
يؤكّد رئيس مركز عدالة ضرورة إعادة النظر في عقوبة التعذيب، لتكون جناية تستوجب الحبس لمدّة ستّ سنوات كحدّ أدنى، عوضا عن كونها جنحة لا تتجاوز عقوبتها الثلاث سنوات، مشدّدا على ضرورة صدور اعتذار رسمي لضحايا التعذيب، وإنشاء نظام تحقيق مستقلّ وفعّال وسريع ونزيه، إلى جانب نقل الإختصاص من الادّعاء العام الشرطي إلى المدني، بحيث تكون القضايا المتعلّقة بالتعذيب من اختصاص المحاكم النظاميّة.
ويرى أن أهمّ الضمانات تتمثّل بحق الموقوف بالحصول على محام فور احتجازه، وحقّه بالتزام الصمت عند القبض عليه، وإبلاغ أسرته أو طرف ثالث، بالإضافة إلى الاستعانة بفحص طبي مستقل.