بانوراما الحراك.. حدث في عيد الاستقلال !!
كتب تامر خرمه
في ظلّ معركة الكرامة التي يخوضها أسرانا المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال الصهيوني، يصرّ الأردن الرسمي على استقبال الرئيس "الاسرائيلي" شيمون بيريز بالتزامن مع عيد الاستقلال، وذلك على هامش منتدى "دافوس" الاقتصادي، الذي يأتي استمرارا لذات التوجّهات المنحازة ضد خبز الأردنيّين وكرامتهم الوطنيّة.
وفي الوقت الذي حملت فيه مختلف فعاليّات الجمعة الاحتجاجيّة شعار "الكرامة الوطنيّة" عنوانا رئيسا لخطابها، تجاهلت بعض هذه الفعاليّات زيارة بيريز التي تأتي بالتزامن مع عيد الاستقلال، لتشكّل إهانة لا يمكن تجاوزها في ظلّ التهديدات "الاسرائيلية" لحاضر ومستقبل الأردن، خاصّة وأن هدف هذه الزيارة يتمثّل بفرض التوجّهات "الاسرائيلية" على هامش "المنتدى الاقتصادي العالمي"، الذي يستهدف بدوره مصادرة آخر ما تبقّى من مقدرة الأردنيّين على العيش بكرامة، استمرارا لذات السياسات الاقتصاديّة المنحازة ضد خبز الفقراء.
اعتداء طاقم السفارة العراقيّة المدان على مواطنين أردنيّين -فوق التراب الأردني- أمر لا يمكن القبول به بأيّ حال من الأحوال، كما لا يمكن الاكتفاء بمجرّد اعتذار تقدّمه الحكومة العراقيّة دون ماحسبة المعتدين، ولكن الغريب في ردود الأفعال على هذا الاعتداء برز قبيل فعاليّات الجمعة، من خلال استغلال ما حصل للتجييش ضدّ الجالية العراقيّة في الأردن، عبر طرح خطاب طائفيّ يدعو لمحاربة "الشيعة" و"الصفويّين" باعتبارهم يستهدفون كرامة الأردنيّين، حيث تفشّى هذا الخطاب الطائفي بين كثير من الأوساط -حتّى النخبويّة منها- رغم عدم وجود هذا "الآخر" بالمعنى الطائفي على الأرض الأردنيّة، وبالنتيجة شهدنا عدّة اعتداءات مؤسفة ليس ضدّ الأشقّاء العراقيّين فحسب، بل وصل الأمر إلى التحريض ضدّ أبناء الأردن المسيحيّين !!!
وفي مواجهة هذا الجوّ المسموم، خرجت فعاليّات الجمعة في مختلف المحافظات تحت شعار "الكرامة الوطنيّة"، حيث أكّد منظّّموا تلك الفعاليّات رفضهم لمحاولات "التعميم" التي أدّت إلى الاعتداءات المؤسفة ضد أشقّائنا العراقيّين ، وكان اللافت هو غياب الحركة الإسلاميّة، والقوى اليساريّة أيضا، عن هذه الفعاليّات التي سلّطت الضوء على إهانة طاقم السفارة العراقيّة لكرامة الأردنيّين، غير أنّ غالبيّة الاحتجاجات -وللأسف- لم تتطرّق للإهانة التي يجسّدها استقبال بيريز في الأردن بالتزامن مع عيد الاستقلال، ولا لتلك الإهانة التي يمثّلها منتدى فرض الاملاءات الاقتصاديّة الخارجيّة على الأردنيّين.
بات من الواضح ما يسعى البعض الى تحقيقه، من خلال الدعوة الى استبدال المواجهة مع المشروع الصهيوني، بعدوّ آخر لا ندري متى أو كيف أو لماذا يشكّل تهديدا على الأردن ؟!! وهذه اللعبة المكشوفة ليست طارئة على المشهد السياسي، ولكن الجديد هو انخراط بعض قوى المعارضة السياسيّة -مع الأسف- في الترويج لهذا الخطاب.
تعمّد بعض القوى الكلاسيكيّة "القوميّة" لاستغلال هذه الحادثة من أجل ترويج خطاب حزبيّ ينسجم مع المصالح الذاتيّة لتيّار محدّد، ارتأى أن أولويّاته في هذا الوقت تتمثّل بمحاربة طهران عوضاً عن مواجهة "تل أبيب"، تقاطع مع مصالح قوى الشدّ العكسي، التي تستهدف تكريس نهج اقتصادي لا يحقّق إلا مصالح فئة احتكرت السلطة والثروة، وتجد في علاقاتها مع "اسرائيل" ما يحقّق مصالحها المتناقضة مع المصلحة الوطنيّة العليا.. وهنا تكمن كارثة انحياز بعض قوى المعارضة إلى مصالحها الذاتيّة على حساب الشأن العام.
النزعة الفرديّة مازالت تشكّل العائق الرئيس أمام الحراك الشعبي المطالب باستعادة السلطة للشعب واجتثاث الفساد والتصدّي للمشاريع الصهيونيّة التصفويّة (وليست الصفويّة)، حيث برز انحياز القوى الكلاسيكيّة لمصالحها الخاصّة في الكثير من المحطّات، حتى وصل الأمر بالبعض إلى الهروب من استحقاقات معركة التغيير الوطني الديمقراطي في الأردن عبر تنظيم عدّة فعاليّات تبرّر الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد بحقّ شعبنا في سوريّة، قبل أن يسعى البعض الآخر لإعادة تدوير مفردات الحرب العراقيّة- الإيرانيّة التي تجاوزها الزمن منذ سنوات، وطرحها كأولويّة ينبغي أن تشغل بال الأردنيّين في هذا الوقت بالتحديد !!
أمّا تخلّي الحركة الإسلاميّة والقوى اليساريّة على حدّ سواء، عن فعاليّات الجمعة، فلا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، حيث كان الأجدى بالإسلاميّين -عوضاً عن إقامة بعض الفعاليّات في مخيّمات اللاجئين بهدف الترويج للحركة- المشاركة في فعاليّات الكرامة الوطنيّة وتسليط الضوء على ما تشكّله زيارة بيريز للأردن في عيد الاستقلال من إهانة لكرامة الأردنيّين.
كما كان الأجدى بقوى اليسار أن تنزل إلى الشارع لمناهضة مؤتمر "دافوس" الذي يجسّد كلّ ما يتصدّى له اليسار في خطابه النظري، ناهيك عن زيارة بيريز التي كان من المفترض بقوى اليسار تسليط الضوء عليها عوضاً عن ترك الشارع لمن يحاول حرف البوصلة باتّجاه طهران.
وأمام هذا المشهد، الذي تخلّت فيه الغالبية العظمى من قوى المعارضة عن مسؤوليّاتها، وانحاز بعضها لمصالحه الحزبيّة الذاتيّة، بادرت مجموعة من النشطاء الشباب إلى إطلاق حملة لمناهضة "دافوس" والتنديد باستقبال بيريز على حدّ سواء، وانحاز لحملتهم عدد من الإعلاميّين، فهل ستحاول قوى المعارضة المنظّمة تدارك ما حصل، وتلتفت لمسؤوليّاتها تجاه هذه المسألة.. تساؤل نترك الإجابة عليه رهناً بالأيّام المقبلة..