على قارعة الموازنة.. مهمات مطروحة برسم المسؤولية
جو 24 :
تامر خورما -
د. عمر الرزاز، رئيس الوزراء، اجتمع الخميس، برئيس مجلس النواب، عاطف الطراونة، بحضور عدد من أعضاء الفريق الوزاري ورؤساء اللجان النيابيّة، لوضع التصوّرات حول موازنة العام المقبل، وبحث "جملة الحزم التحفيزات الإقتصاديّة".. إلى هنا انتهى الخبر.
ماذا بعد؟ تساؤل يلحّ حول الأجندة الإقتصاديّة، التي لا تحيد بوصلتها عن ضوابط وإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، فهل يمكن لموازنة العام 2020 أن تأتي بأيّ جديد؟
بمجرّد ذكر كلمة "موازنة" تقفز إلى الأذهان مسألة العبء الضريبي، الذي يرزح المواطن تحت وطأته منذ أولى حلقات "الإصلاح الإقتصادي.. ذلك المسلسل المستورد خصّيصا لتحقيق مصالح الأقليّة الثريّة، على حساب أمن ومستقبل وغذاء الغالبيّة العظمى لشعب لايزال في مهبّ الإفقار والتهميش.
وبلغة الأرقام، بلغت الإيرادات الضريبيّة لخزينة الدولة (5201000) ألف دينار في العام 2017، لتنخفض شيء بسيطا في العام 2018، قبل أن ترتفع مجدّدا إلى (5273347) ألف دينار في موازنة العام الجاري.. ورغم هذا مازالت معضلة العجز وكارثة الدين العام في تفاقم مستمرّ، وذلك باعتراف الحكومة، التي تصرّ على انتهاج ذات السياسات الجبائيّة الفاشلة، رغم كلّ ما لحق بالإقتصاد من ضرر، انعكس على كافّة القطاعات.
الحكومة، التي تصرّ على دفن رأسها في الرمال، أمام نتائج فشلها الإقتصادي الذريع، وتفاقم العبء الضريبي، لا يمكن أن تكون مؤهّلة لإقرار موازنة تتحقّق فيها أدنى شروط العدالة، دون الإنسلاخ عن إملاءات صندوق النقد، وإجراء مراجعة شاملة، لإعادة ترتيب أولويّات الإنفاق، وكبح جماح هذا السعار الضريبي.
اللجوء إلى موائد الفقراء لسدّ الثغرات الإقتصاديّة، ليس هو ما يمكن أن يخرجنا من عنق الزجاجة التي طالما تحدّث عنها الرزاز.. ولا يفترض أن تكون ضريبة المبيعات، التي انفلتت من عقالها، هي السند الأساسي والعامود الفقري للإقتصاد الوطني.. إذا أردنا فعلا الخروج من عنق الزجاجة تنبغي إعادة النظر في أوجه الإنفاق، واتّباع سياسة تقشّف حكوميّ صارمة، ووقف البذخ الذي يتمّ إهداره على الهيئات المستقلّة، والمؤسّسات المختلقة تنفيعا للمتنفّذين.
إيرادات الوحدات الحكوميّة (باستثناء سلطة المياه وشركة الكهرباء الوطنيّة) من الدعم الحكومي، بلغت في السنة الماليّة 2019 أكثر من (30) مليون دينار، ناهيك بالملايين الأخرى المتدفّقة على عدّة مؤسّسات لا ترفد الخزينة بما يذكر.. ومع هذا يستمرّ الهدر بلا ضوابط، ليكون الفقراء هم المطالبون بسدّ ثغرات العجز والتخبّط، عبر سلسلة ضرائب لا تكاد تنتهي!
الأولى أن تعيد حكومة الرزاز ضبط نفقاتها على إيقاع ضرورة الإنفاق الرأسمالي، عوضا عن تبديد ما يتمّ اعتصاره من دافعي الضرائب على نفقات جارية غير مجدية.. خلاصة الموازنة العامّة للسنوات 2017-2021 تقرّ بـ (7113040) ألف دينار كنفقات جارية، إلى جانب (2803454) ألف دينار سجّلت تحت بند "نفقات أخرى"، مقابل (1060202) فقط تمّ إدراجها كنفقات رأسماليّة.
واليوم، يجتمع الفريق الوزاري باللاعبين الأساسيّين على رقعة البرلمان لإقرار موازنة العام 2020، استناداً إلى ذات الأسس التي تعتمد مقاربة "زيادة الضرائب واستمرار الهدر".. وهنا لا يمكن التفاؤل إطلاقا بدرء برد العجز وغيظ الدين العام، عن المواطن الذي سيكون عليه مواجهة شتاء ملتهب الأسعار.
الأصل أن تتوجّه الحكومة نحو الإنفاق الرأسمالي، بعيدا عن مصالح المتنفّذين في مختلف المؤسّسات والهيئات والوحدات، وعن اقتناص لقمة الفقير كلما سنحت شهيّة لذلك.. تكبيل الدولة بالنفقات الجارية غير المجدية، وتقويض مختلف القطاعات الإقتصاديّة بمثل تلك السياسات الفاشلة، ومسلسل الجباية الضريبيّة، لا يمكن أن تضيف ما يسمح بشهقة واحدة، تخفّف وطأة الإختناق الإقتصادي.
القوّة الشرائيّة للناس تكاد تؤول إلى صفر الإحتياجات الأساسيّة.. الحركة الإقتصاديّة تعاني شللاً مستعصيا، في ظلّ انكماش خانق.. ومختلف القطاعات الإنتاجيّة تحتضر أمام تعنّت الفريق الإقتصادي، الذي يصرّ على تغطية الحقائق بغربال الوعود والشعارات، بعيدا عن أيّة خطوات فعليّة تحرّك عجلة الإنتاج وتنعش النشاط الإقتصادي، عبر إنفاق رأسمالي مدروس، لا يراد به التنفيع.
ترى.. هل تعتقد الحكومة حقّا أن الاتكاليّة المفرطة على المنح والمساعدات الخارجيّة، التي دفعنا ثمنها غاليا، قد تخرج الأردن من هذه الأزمة؟ عودة إلى لغة الأرقام، لن يضرّ التذكير بأن إيرادات الدولة من المنح الخارجيّة بلغت في العام 2017 (777000) ألف دينار، لتنخفض في العام 2018 إلى (700000) ألف دينار، ومن ثم إلى (5273347) ألف في موازنة العام 2019.. ألا يشير هذا التراجع المستمرّ إلى ضرورة البدء بالإعتماد على الذات، ليكون حجم النفقات مساويا للإيرادات، عبر اعتماد مقاربة مجدية، تقضي على هوس الإنفاق العبثي، عوضا عن فرض المزيد من الضرائب؟!
سياسة الهدر والجباية تدفع بالعجز من هاوية إلى أخرى، وتصبّ الزيت على نار المديونيّة.. كما أن الارتهان إلى المؤسّسات الماليّة الدوليّة لا يقود إلى أيّ مكان خارج دائرة التبعيّة الإقتصاديّة.. والمواطن هو من يدفع ثمن هذا.. الحديث عن موازنة تخرج الأردن من عنق الأزمة لا يمكن أن يكون مجديا، دون حكومة وطنيّة تمتلك رؤية وإرادة مستقلّة، وتتبنّى مقاربة الإعتماد على الذات، فالحالة الإقتصاديّة بلغت منعطفاً حرجا، والمسألة اليوم إمّا حياة أو موت!
كما أن هناك مسؤولية فرضت على كاهل كافة مؤسسات المجتمع المدني، بل والمواطن أيضا.. فهو من يدفع في نهاية الأمر ثمن هذه السياسات الإقتصادية الكارثية.. هذه المسؤولية تنطلق من السؤال الملح: ما العمل؟
الحكومة بصدد إقرار موازنة العام المقبل، وليس هناك ما يشجع فعلا على التفاؤل.. التجربة خير برهان، ولنا في كل المحطات السابقة تجارب تثبت بشكل قاطع أنه "ما حك جلدك غير ظفرك".. لذا ينبغي على الجميع التصدي لمواجهة ما هو آت، والضغط من أجل تحقيق العدالة في بنود قانون الموازنة المنتظر.
كلنا سندفع ثمن ما ينتظرنا من قرارات، لذا عليك الضغط باستمرار على من قمت بانتخابه لتمثيلك في البرلمان، لتحول دون انجرافه مع التيار الحكومي عند إقرار الموازنة العامة.. كما يتوجب على كل الإعلاميين، والنقابيين، والأحزاب السياسية، وكافة مؤسسات المجتمع المدني، متابعة خطوات بحث وإقرار الموازنة لضبط إيقاعها على وتر التطلعات الشعبية، والمصلحة الوطنية..