أين عمرو بن عبيد فينا؟
سالم الفلاحات
جو 24 :
من وجده منكم فليخبرني، أو يتصل مع أي مخفر شرطة.
سألت عنه في كل مكان، وفي كل مرة أظن أنني وجدته ولكن يا للأسف....
ليتني أجده.. أنا لا أعرف اسم جده، ولا عشيرته، ولا قبيلته، ولا جهته.
هل تعرفونه أيها القراء الكرام؟
قلت له عن بعد وربما لم يسمعني: لقد غبت طويلاً يا عمرو، ترى أليس لك أولاد، أو بنات، أو أحفاد، أو ذرية، أو أصدقاء؟
أم هل غادرت دنيانا أنت وذريتك ومعارفك وأصدقاؤك ومؤيدوك إلى الأبد؟
يا عمرو أنا تعرفت عليك من كلمة قالها حاكم عربي فردي عنك..
قلَّبتُ كتباً كثيرة، وسألت ابن خلِّكان، وسألت ابن كثير، والطبري، فقال لي بعضهم لعله هذا الذي دخل على أبي جعفر المنصور فأكرمه وأجلسه وقال عظني، فقال: لو دامت لغيرك – الخلافة – ما وصلت إليك، وأحذر ليلة تمخض بيوم لا ليلة بعده.
فشكره وأمر له بعشرة آلاف درهم.
فقال عمرو: لا حاجة لي بها.
فقال الخليفة: واللهِ لابد أن تأخذها.
فقال: لا واللهِ لن آخذها.
فقال ابنه وولي عهده (المهدي) أيحلف أمير المؤمنين وتحلف أنت؟
فالتفت إلى الخليفة وقال من هذا الفتى؟
قال هذا ولي العهد ابني (المهدي).
فقال عمرو: أما والله لقد ألبسته لباساً ما هو من لباس الأبرار، وسميتَه باسمٍ ما استحقه.
ثم قال: يا ابن أخي إذا حلف أبوك أحنثه عمك لأنه أقوى على الكفارات من عمك.
فقال الخليفة: هل لك من حاجة؟
فقال: لا تبعث لي حتى آتيك.
فقال: إذن لا تأتي!!!
فلما أدبر وتذكر أبو جعفر المنصور الذين يحضرون مجلسه، ويختمون الجلسة بمد أيديهم لينالوا من عطائه ويدارونه بما يريد، فقال عنهم هجاء لهم ومدحاً لهذا الرجل الذي لا ينتظر مدحه، فقال كلمته التي ذهبت مثلاً: " كلكم يمشي رويد .. كلكم يطلب صيد .. غير عمرو بن عبيد ".
وعمرو بن عبيد هذا لم يعجب الكثيرين، بل اتهمه وهاجمه العديد من فقهاء الصمت، وكسب الأعطيات، والواقعيون، والواقعون، والموقِّعون، والموقِعُون، والوقائعيون -بالأشراف الأخيار البرءاء.
ولا غرابة فعندما تختل الموازين، وتغيب القيم العليا، ويعم فقه الاستكانة للمتغلب بغير وجه حق، يقول المستفيدون من تغييب الصلحاء والمصلحين "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"، فالطهارة في شرعهم جريمة تستحق العقاب الشديد.
آمل أن نقول ما يسمعه الوطن وتشهد عليه الأجيال، لا أن نهز رؤوسنا ونحوقل، وإلا فكلنا يمشي رويداً ويطلب صيداً.
هذا لا يعني أنَّ دنيانا خَلت من أمثال هؤلاء الذين لا يطلبون صيداً، ولا تأخذهم في الحق لومة لائم، ولكن متى يشكل هؤلاء تياراً وطنياً شعبياً واسعاً يقوم بدوره الوطني؟!