التوقيف الإداري.. مزاجية حكّام إداريّين تعيدنا أكثر من 3270 سنة إلى الوراء!
جو 24 :
محرر الشؤون المحليّة - خلال سنة واحدة، ارتفع عدد الموقوفين الإداريّين إلى 37683 نزيل، وفقا لأرقام المركز الوطني لحقوق الإنسان، منهم من جرى توقيفه بعد تنفيذ العقوبة الصادرة بحقّه كاملة، ومنهم من أصرّت الجهات التنفيذيّة على توقيفهم بعد صدور قرار قضائيّ بإخلاء سبيلهم.
ممارسات الحكّام الإداريّين ذهبت بعيدا في مصادرة حريّة الناس، والتغوّل على حقوقهم الإنسانيّة، وكثيرا ما تصدر قرارات التوقيف الإداري بهدف تقويض حقّ حريّة الرأي والتعبير، الذي كفلته المعاهدات والمواثيق الدوليّة، المصادق عليها من قبل الأردن الرسمي.. فما هو سرّ هذا التغوّل غير المبرّر على السلطة القضائيّة؟!
المحامي عاصم الربابعة، رئيس مركز عدالة لحقوق الإنسان، كان قد حذّر في تصريحات سابقة لـ الأردن 24 من هذه الظاهرة التي تعدّ مؤشّرا على تراجع منسوب الحريّات، والتعسّف في استخدام الصلاحيّات، مؤكّدا أن المطالبة بإلغاء هذا القانون هي قضيّة متجدّدة، إلاّ أن هناك مقاومة شديدة من قبل سلطات إنفاذ القانون.
مقاومة شرسة للحفاظ على بقاء واستمراريّة قانون منع الجرائم، الذي تستخدمه السلطات التنفيذيّة في إجراءات يعتبرها كثير من الحقوقيّين تغوّلا على صلاحيّات السلطة القضائيّة، باتت أخطر عوامل الشدّ العكسي، التي تحول دون ارتقاء الأردن على المؤشّرات الدوليّة، وتراجع مكانته فيما يتعلّق بحقوق الإنسان.
قد يحاول البعض تبرير منح الحاكم الإداري مثل هذه الصلاحيّات الواسعة غير المنطقيّة بالحفاظ على نعمة "الأمن والأمان"، ولكن لو سلّمنا بصحّة هذا، رغم أنّه تبرير غير منصف على الإطلاق، فكيف يتمّ تفسير ملاحقة واعتقال نشطاء سياسيّين وحقوقيّين لم يسبق لهم ارتكاب أيّة جنحة، بقرار محافظ أو متصرّف امتعض من كلمة هنا أو اعتصام هناك؟!
الناشط علاء ملكاي، على سبيل المثال لا الحصر، تعرّض للتوقيف ولاحتجاز حريّته دون أن يصدر عنه ما يشكّل أيّة خطورة على المصلحة العامّة، بل على العكس، ما قام به كان، كغيره من النشطاء، هو دعوة لحماية الوطن من تغوّل الفساد وتفاقم الأزمات الإقتصاديّة والإجتماعيّة.. وفي مقابل هذه الدعوة الوطنيّة التي عبّر عنها في حراكه السياسي، دفع حريّته ثمنا، دون حتّى تقديمه لمحاكمة!
والأكثر غرابة من قضيّة الملكاوي هو ما تعرّض له الناشط خالد الشراري، الذي تمّ توقيفه إداريّا قبل فترة بتهمة في غاية الغرابة، وهي التقليل من إنجازات متصرفيّة لواء الأزرق!
صحيح أن الشراري قد أخلي سبيله بعد موجة الإنتقادات الواسعة التي واجهت هذا القرار الغريب، ولكن مجرّد حصول مثل هذه الحادثة، يكشف مدى التراجع المرعب، الذي تجرّنا إليه قرارات الحكّام الإداريّين، والتي تعدّ تناقضا صريحا مع مبدأ الفصل بين السلطات، واستقلال السلطة القضائيّة.
بأي حق يقرّر حاكم إداري، أو حتّى تمنح له صلاحيّة احتجاز حريّة مواطن عبّر بكلّ سلميّة وحضاريّة عن رأي لا يعجب هذا المحافظ أو ذاك المتصرّف؟! وبأي حقّ يهان المواطن ويلقى به في الزنازين دون حتّى عرضه على المحكمة؟! وكيف يمكن للأردن مواجهة العام 2020 وهو لايزال يطبّق مثل هذه القوانين الضاربة عقليّتها في جذور القرون الوسطى والأزمان الغابرة!
والكارثة الأكبر أن إجراءات التوقيف الإداري التعسّفيّة يوازيها استمرار في انتشار ظاهرة التعذيب، سواء في مراكز التوقيف أو مراكز الإحتجاز الأوّلي. مركز عدالة لحقوق الإنسان كان قد كشف مؤخرا عن انخفاض عدد الشكاوى المحالة لمحكمة الشرطة بتهمة التعذيب، رغم ارتفاع عدد الشكاوى، والتي بلغت العام الماضي 332 شكوى، لم تتمّ إحالة سوى 10 منها، فيما تقرر منع محاكمة المتهمين بـ 240 شكوى.
والآن.. أما علينا أن نتساءل بوجل إلى أين يمضي الأردن؟ حاكم إداري يمكنه احتجاز حريّة أي مواطن دون الحاجة لتوجيه تهمة صريحة له وتقديمه للمحاكمة، وفوق هذا هنالك عدّة حالات رصد تعرّضها للتعذيب، كلّ هذا يحصل اليوم، أيّ بعد مرور نحو 3270 سنة على تشييد حضارة العمونيين!