jo24_banner
jo24_banner

برلين تتجاوز عقدة الهولوكوست.. فماذا سيكون الردّ الأردني على رسالة هنيّة؟!

برلين تتجاوز عقدة الهولوكوست.. فماذا سيكون الردّ الأردني على رسالة هنيّة؟!
جو 24 :
تامر خورما - أمن الأردن خطّنا الأحمر.. ومعه بالقلب والسيف.. ورقابنا دون الوطن البديل.. مبادئ غير قابلة للمساومة، أكّدها، اسماعيل هنيّة، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلاميّة حماس، بالتوازي مع استثمار رحلته إلى اسطنبول، في إطار جهود الحركة، لكسر طوق العزلة التي يحاول الإحتلال تأبيدها على قطاع غزّة.

منذ خروج المكتب السياسي لحركة حماس من الأردن عام 1999، والعلاقة الرسميّة مع الحركة تتجاذب بين مدّ وجزر، حتّى تمّت صياغة ما اتّفق على تسميته بالتحالف التكتيكي، بعد لقاءات جمعت القادة الأمنيّين الأردنيّين بوفد من الحركة، عام 2008.

12 سنة مرّت على ذلك اللقاء.. والعدوان الصهيوني مازال مستمرّا على قطاع غزّة، في ظلّ الفشل التي منيت به مسيرة المصالحة الفلسطينيّة- الفلسطينيّة في أكثر من محطّة.. خلال تلك السنوات بقيت حركة حماس أسيرة معبرها الوحيد إلى العالم الخارجي (رفح)، ولكن اللاعب المصري لم يسهم إيجابيّا في فكّ طوق العزلة، التي تحاول "اسرائيل" تشديد خناقه على القطاع..

طيلة تلك السنوات، لم يكن للأردن دور مباشر وواضح، في مدّ الجسور، سواء بين حركتيّ فتح وحماس، أو بين حماس وعمقها العربي، رغم أن عمّان سمحت للحركة في أكثر من مناسبة، بالاستثمار السياسي والشعبي على الساحة الأردنيّة.. هذا لم يكن كافيا بالطبع لتحقيق المصلحة المشتركة في مواجهة الخطر الصهيوني، ولكن كانت تلك هي معادلة التوازنات والتفاهمات الإقليميّة.

اليوم تغيّرات حاسمة تفرض استبدال تلك المعادلة، وإعادة قراءة العلاقات المفترض تحديد مستواها ليس مع حماس فحسب، بل مع سائر حركات المقاومة الفلسطينيّة.. في هذا الإطار جاءت رسالة هنيّة، انسجاما مع الرفض الأردني المعلن لصفقة القرن، ومع تراجع العلاقات بين عمّان وتل أبيب إلى مستويات حرجة، وإن لم تبلغ نقطة الصفر.

وقد سبقت رسالة هنيّة الرسالة التي وجهها الأردن لواشنطن عبر مناورات سيوف الكرامة، والتي تمكن قراءتها في سياق أن الأردن لايزال يعتبر أن ما يدور غرب النهر يشكّل تهديدا حقيقيّا للمستقبل الأردني، خاصّة بعد تهديدات بنيامين نتنياهو بضمّ غور الأردن، بالإضافة إلى المستعمرات في الضفّة الغربيّة.

التهديدات "الاسرائيلية" للأردن، وخاصّة فما يتعلّق بمشروع الوطن البديل، لم ينكرها الخطاب الرسمي الأردني.. ولكن هل يمكن لعلاقة محصورة بسلطة رام الله، أن تكون ردّا مناسبا على تلك التهديدات؟

رسالة حماس لعمّان جاءت واضحة ومباشرة، ويمكن تلخيصها بأن الارتقاء بمستوى العلاقة مع الحركة، إلى ما يتجاوز التكتيكات قصيرة المدى، بات يشكّل ضرورة لا يمكن تجاهلها في ظلّ التطوّرات الدوليّة والإقليميّة الأخيرة.. فكيف سيكون ردّ عمّان على تلك الرسالة؟

بالطبع، إن إنجاز المصالحة الفلسطينيّة- الفلسطينيّة تعدّ أولويّة استراتيجيّة بالنسبة للأردن.. ومن الضرورة أن تلعب عمّان دورا أكثر تأثيرا لإنجاز تلك المصالحة.. ولكن لا وقت للغد!

حماس تحظى بتأثير حاسم على الساحة الفلسطينيّة، وتأثير غاية في الأهميّة على المستوى الإقليمي، كما أنّه لا يمكن إنكار أهميّتها حتّى على المستوى الدولي، فهي حركة مقاومة شرعيّة حتّى في قواميس حلفاء "اسرائيل" في الغرب، وقد ترسّخت شرعيّتها منذ فوزها بالأغلبيّة الساحقة، في أوّل انتخابات شهدتها الساحة الفلسطينيّة، بعد عودة الراحل ياسر عرفات للأراضي المحتلّة.. فلماذا لا يكون الأردن هو السبّاق في تطوير العلاقة مع الحركة، سيّما وأن مصالحة الإستراتيجيّة مرتبطة عضويّا ببرنامجها المقاوم؟

المركز الفلسطيني للإعلام كان قد أشار إلى تقرير، أعدّه منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني، تحت عنوان ما توجّهات السياسة الألمانيّة تجاه حماس، حيث خلص التقرير إلى أن التزام ألمانيا التاريخي تجاه "إسرائيل" يعيق تطوير علاقتها مع حركة "حماس"، رغم أن المراقبين والمحللين الألمان ينظرون إلى الحركة أنها نقلة نوعية للصورة النمطية التي بناها الغرب عن الحركات الإسلامية "الجهادية".

ونوّه التقرير، الذي أعدّه الباحث وسام أبو الهيجا، بأن التحول في مسيرة "حماس"، بنظر المحللين الألمان، بلغ ذروته حينما قررت الحركة المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006 وفوزها بالأغلبية، وهو ما أهّلها لتصنف على أنها حركة مقاومة ضد الاحتلال، وليست حركة "إرهابية" ذات مرجعية متطرفة، لا تحمل أهدافا أو رؤى محدّدة.

وفي الخلاصة، أكّد التقرير أن شريحة من السياسيّين في ألمانيا بدأت تفكر بضرورة قبول الحركة "حقيقةً سياسيةً في عمليّة السلام بالشرق الأوسط، وضرورة التعامل معها بناء على محدّدات السياسة الألمانيّة، وتطوّر موقف الحركة المنضوية تحت قائمة الإسلام السياسي، بالشكل الذي يؤهلها للاندماج في المجتمع الدولي".

ولا يخفى على أحد أن مواقف برلين فيما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة، وخاصّة تجاه الشرق الأوسط، تنطلق دوما من عقدة "الهولوكوست".. فإذا كانت برلين تتجاوز تلك العقدة التاريخيّة بما تفرضه متغيّرات الواقع، والثقل الدولي الذي انتزعته غزّة بصمودها ومقاومتها، فما الذي يرغم عمّان على التردّد في مدّ كافّة الجسور نحو حركات المقاومة الفلسطينيّة؟

المؤسّسة الألمانيّة للقضايا الدوليّة والأمنيّة، وهي مركز دراسات وأبحاث مقرّه الرئيسي في برلين، قدّم عدّة دراسات وتوصيات ذات تأثير هام على دوائر صنع القرار في وزارة الخارجيّة الألمانيّة. كثير من تلك التوصيات دعت إلى فتح الحوار مع حركة المقاومة الإسلاميّة حماس، باعتبارها قوّة حاسمة على الساحة الفلسطينيّة، كما نصحت بدعم حكومة وحدة وطنيّة تخلص إليها المصالحة بين حركتيّ فتح وحماس.

في إحدى الأوراق التي نشرها المعهد تحت عنوان: "اتّفاق المصالحة بين فتح وحماس لتشرين الأول 2017.. فرصة لإنهاء الأزمة الإنسانيّة في غزّة.. وتجاوز مستدام للحصار"، تقول الباحثة د. مورييل أسيبورغ، المختصّة في شؤون الشرق الأوسط وافريقيا، في توصياتها: "على الاتّحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، إرسال إشارات دون غموض حول استعدادها للتعاون مع حكومة وفاق تدعمها كلّ من فتح وحماس، ومع حكومة وحدة وطنيّة مستقبليّة تضمّ ممثّلين عن كلا الفصيلين".

وتضيف أسيبورغ في توصياتها: "دول الاتّحاد الأوروبي الأعضاء عليها أيضا العمل على تعزيز التيّار العملي في حماس عبر تخفيف وطأة "سياسة اللاتواصل" التي تبنّتها رباعيّة الشرق الأوسط (الولايات المتّحدة، وروسيا الاتّحاديّة، والاتّحاد الأوروبي، والأمم المتّحدة) بعد الانتخابات الفلسطينيّة للعام 2006. حتّى لو استمرّ الاتّحاد الأوروبي بتصنيف حماس كمنظّمة إرهابيّة، فإن هذا لا يحتاج إلى استبعاد التبادل السياسي والمدني".

وتتابع: "تكثيف الاتّصالات لا ينبغي أن تكون مرهونة بشروط غير واقعيّة، أو دعم شفهي كمقابل، ولا أن تكون على حساب الحوار مع ممثلي الأحزاب الفلسطينيّة الأخرى. بل ينبغي أن تحدث داخل إطار وفود تعدديّة الأحزاب (على سبيل المثال مجموعات برلمانيّة مختلطة) وبما يتضمّن ممثلين معتدلين للحركة في حوارات المجتمع المدني".

تلك كانت مجرّد إشارات للتطوّرات التي تشهدها مراكز صنع القرار في أكثر دولا العالم تردّدا فيما يتعلّق بلقاء حركات المقاومة الفلسطينيّة والإعتراف بشرعيّتها.. واليوم تضع صفقة كوشنر المنطقة على كفّ عفريت الفوضى اللاخلاّقة، فهل لدى عمّان ما يمنع نقل علاقاتها بفصائل المقاومة الفلسطينيّة إلى مستوى التحالف الإستراتيجي؟!

التغيّرات التي تشهدها الساحة الإقليميّة منذ زيارة كوشنر للمنطقة تفرض كثيرا من الإستحقاقات. الدبلوماسيّة الأردنيّة لن تنقذها هذه المرّة سياسة إمساك العصا من المنتصف، كما كان عليه الأمر في محطّات مختلفة.. التطوّرات المتسارعة بلغت نقطة حرجة، تستوجب إعادة النظر بجوهر التحالفات القديمة، ومدّ كافّة الجسور إلى كلّ حركات المقاومة غرب النهر، ولدى الأردن الرسمي كثير من الأوراق التي تغنيه عن "جوكر" الدبلوماسيّة المحروق!
 
تابعو الأردن 24 على google news