jo24_banner
jo24_banner

بانوراما الحراك.. جمعة الأكفان وعزاء الشعب

بانوراما الحراك.. جمعة الأكفان وعزاء الشعب
جو 24 :

كتب تامر خرمه

أخيرا، التفتت إحدى القوى الكلاسيكيّة لقضيّة الأسرى الأردنيّين الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية في سجون العدو الصهيوني، فنظّمت الحركة الاسلامية فعاليّة "إنقاذ الأسرى.. جمعة الأكفان" في وسط البلد، حيث شاركت حراكات شبابيّة وشعبيّة ناشئة، إلى جانب أهالي الأسرى في هذه الفعالية التي طال انتظارها.

الإسلاميّون قرّروا الآن الالتفات إلى قضيّة الأسرى وتبنّيها عبر فعاليّة جماهيريّة تعكس انطباعا بتحمّل المسؤوليّة، في حين لم يلتفت بعد إلى هذه القضيّة أيّ من القوى القوميّة أو اليساريّة، التي اكتفت بإصدار بعض البيانات، معتبرة أنّ ذلك يلبّي حجم مسؤوليّاتها تجاه الأسرى.. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما الذي حرّك الاسلاميّين بعد مرور شهر على بدء معركة الأمعاء الخاوية، وبعد سلسلة فعاليّات نظّمها أهالي الأسرى وحدهم أمام الديوان الملكي وغيره من المؤسّسات، دون أن تنتصر لهم أيّ من القوى المنظّمة.. لماذا الآن ؟!

المتتبّع لحراك الإسلاميّين في الآونة الاخيرة يلاحظ اقتصار فعاليّاتهم على تناول القضايا الكبرى، المتعلّقة بحقّ العودة والدفاع عن القدس، دون التطرّق للشأن المحلّي أو خوض مواجهة حقيقيّة مع السلطة، فباستثناء مدينة إربد -التي تراجعت المشاركة في فعاليّاتها الاحتجاجيّة إلى أدنى مستوياتها- لم تشهد مدن ومحافظات المملكة أيّة فعاليّة للحركة الإسلاميّة، بحجم تلك الفعاليّات التي دأبت الحركة على تنظيمها في السابق.

العزلة التي يواجهها الإسلاميّون جعلت من الخطورة، بالنسبة للحركة، تنظيم فعاليّة تقتصر المشاركة فيها على العضويّة الحزبيّة، وبات السبيل الوحيد لتنظيم مثل هذه الفعاليّات هو الابتعاد عن القضايا الداخليّة، التي يفرض طرحها خوض معارك لا يملك الاسلاميّون القدرة عليها في هذا الوقت، مقابل إعادة تحشيد انصار الحركة من خلال التوجّه إلى المخيّمات وطرح قضيّة فلسطين في سياق خطاب شعبويّ لا يتجاوز حدود الفعاليّات التضامنيّة، في تكتيك لجأت إليه الحركة بالتزامن مع تجاهل القصر تماما لوجودها، وغياب التواصل والحوار بين دوائر صنع القرار والإسلاميّين لأوّل مرّة في تاريخ الأردن السياسيّ.

وفي ظلّ هذه العزلة، وبعد وفاة لجنة التنسيق الحزبي سريريّا، وفشل الجبهة الوطنيّة للإصلاح في خلق الانسجام بين مكوّناتها نتيجة تباين المواقف من الأزمة السوريّة، وابتعاد الحراكات الشبابيّة والقوى الشعبيّة الناشئة عن الإسلاميّين، اضطرّت الحركة الإسلاميّة إلى تبنّي هذا التكتيك، ولكنّها تأخّرت كثيراً في الالتفات لقضيّة الأسرى الأردنيّين في سجون الاحتلال، وربّما يكون مردّ هذا التأخير هو ما يفرضه تبنّي هذه القضيّة من مواجهة مع السلطة التي لا ترغب بإزعاج "الجيران" غرب النهر.

وبعيدا عن الدوافع والأسباب والظروف الذاتيّة، لا يمكن تجاهل أن الحركة الإسلاميّة كانت القوّة الحزبيّة الوحيدة التي تحمّلت جزءً من مسؤوليّاتها تجاه أسرانا في سجون الاحتلال، في الوقت الذي تخلّى فيه الآخرون عن مسؤوليّاتهم تجاه مجمل القضايا المتعلّقة بمعركة التغيير الوطني الديمقراطي، أو قضيّة الأسرى الأردنيّين في السجون الصهيونيّة والعربيّة، واقتصرت جهودهم على بضعة بيانات وتصريحات لا تصلح إلا للاستهلاك الإعلامي، وبات محور فعاليّات البعض يقتصر على "التشبيح" للرئيس السوري بشار الأسد، أو التحريض على مواجهة طوائف دينيّة غير موجودة تاريخيّاً على الأرض الأردنيّة !!

بعض الأحزاب مازالت تحاول اجترار أحداث وقعت في الماضي خارج الأراضي الأردنيّة، وشكّلت مقدّمات لمحطّات انتهت منذ زمن وطرحت نتائجها، التي شكّلت بدورها مقدّمات جديدة لنتائج أخرى شهدها الواقع العربي قبل أن يكسوها الغبار، في محاولة يائسة لاستنهاض الأنصار عبر مفردات ذاتيّة لا تهدف سوى لتحقيق "الكسب الحزبي"، في حين لجأت الحركة الإسلاميّة إلى تكتيك واقعي قد يعيد لها ذلك الزخم الذي فقدته منذ شهور.

أمّا الحراكات الشبابيّة والشعبيّة الناشئة، فقد عكست عبر مختلف فعاليّاتها الاحتجاجيّة حالة متقدّمة من المسؤوليّة والوعي السياسي الذي فقده المصابون بلعنة الشيخوخة، وشكّل هذا الوعي ما يمكن له أن يكون عزاءً للشعب الرازح تحت وطأة القهر والغلاء، حيث قرّرت بعض القوى -كاتّحاد الشباب الديمقراطي مثلا- العمل في الظلّ، بعيدا عن نزق الاستعراض أو النزعة الدونكيشوتيّة، مقابل استنهاض الحراكات العماليّة التي سبقت الربيع العربي، باعتبارها رافعة التغيير الوطني الديمقراطي، الذي لا يمكن مواجهة المشروع الصهيوني دون تحقيقه، فيما عبّرت قوى شبابيّة اخرى عن وعيها المدرك لجدليّة العلاقة بين مواجهة هذا المشروع ومحاربة الفساد والاستبداد في الأردن، لتبلور الفعاليّات الاحتجاجيّة التي نظمتها هذه الحراكات عبر الأسابيع الماضية، خطابا جامعاً من شأنه التمهيد لإطار وحدوي، ينشل الحراك من تراجعه المستمرّ، ويشكّل لأهالي الأسرى والمعتقلين ما يمكن لهم التعويل عليه في قادمات الأيّام.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير