احتفالية سياسات التفقير في دافوس
لميس أندوني
جو 24 : أدعو الوزراء الحاليين والسابقين واللاحقين، أن يزوروا جيوب الفقر في الأردن، مع أنني لست واثقة أن مثل تلك الجولات ستؤثر في بعضهم، وممكن أن يعتبروها سياحة تَنَدُر على " التخلف" من منطلق علياء المنصب والجاه والثروة.
ما يحيرني هم الوزراء الذين أتوا من خلفيات أسر مُكافِحة، وشقوا طريقهم أو كانوا أوفر حظاً، كيف نسوا أو تناسوا كدح آبائهم وأمهاتهم، والسنوات الصعاب؛ أم هل فرصة التحادث و الجلوس مع "الكبار" ، والاختلاط بالرؤساء والنجوم في مؤتمرات مثل دافوس وغيرها أعمت أبصارهم وبصائرهم؟
الاعتماد على النوازع الإنسانية والعطف في السياسة فيها الكثير من السذاجة، ومع ذلك لا يمكن إلا التساؤل عن ضعف الضمير أو غيابه ،الأنكى أن الكثير من هؤلاء يعللون مشاركتهم في الحكومات وسياسات تزيد الناس عوزاً، بأنها خدمة للوطن، وعن حضورهم مؤتمرات مباركة اقتصاد التفقير، على أنه بحث في سياسات التنمية!
مناسبة الحديث، أن مؤتمر دافوس الأخير كان احتفالية رفع الأسعار وإجراءات الإفقار،وبالذات خطوات "التقشف" القادمة، من رفع تسعيرة الكهرباء انتهاء برفع سعر رغيف الخبز- فالأردن كما غيره من الدول، قدم أوراقه الثبوتية بأنه يستحق تجديد عضويته في نادي الأغنياء، ولو كان من قبيل تقاسم الفتات.
المفارقة كانت أن صندوق النقد الدولي العتيد، الذي يشترط لبرلة غير منضبطة وتعويم الأسعار، استغل المناسبة للتنصل من أية مسؤولية لقرار رفع تسعيرة الكهرباء، مؤكداً أن دوره لم يتعد الاستجابة للخطة التي قدمتها الحكومة، وأن مؤسسة الإقراض العالمية لم تجبر الأردن على أي شيء.
حكومتنا تستحق مثل هذه " الموقف" وأكثر، فهي لم تواجه شروط الصندوق ببرنامج بديل يحافظ على الاقتصاد الوطني ولو بحد أدنى من العدالة الاجتماعية، لكن تصريحات الصندوق غير دقيقة، وإن كانت تدل على قلق أن توجه اتهامات للصندوق في حالة بدء احتجاجة شعبية أو انتفاضة جوع وفقر.
الصندوق الدولي، ومن خلفه وعلى جانبه الحكومات الغربية، دائماً يصر على رفع الدعم الحكومي للسلع والخدمات كأهم شروط الإقراض،وما ليس منصوصا عليه بالتفاهمات المكتوبة يمارس من خلال الضغوط السياسية من قبل المسؤولين الغربيين وسفرائهم، وهذا ليس بسر أو اكتشاف.
فلِمَ التلاعب بالكلمات، فالصندوق لا يطلب رفع الأسعار بل رفع الدعم الحكومي، الذي يؤدي إلى رفع الأسعار، أي النتيجة نفسها، فمن يخدعون؟
لكن حكوماتنا تبقى المسؤولة الرئيسية، فصندوق النقد يمثل مصالح البنوك الكبيرة والسوق الرأسمالي العالمي، لكن الحكومات يجب أن تمثل شعوبها؛ وكيف لها أن تفعل ذلك والشعب ليس مصدر السلطات، ولا توجد سيادة للقانون، ولا حماية لحقوق مواطن أو مقيم؟
بل تقوم الحكومات بخداع نفسها والشعب؛ فمثلاً، هل يصدق رئيس الوزراء نفسه حقاً عندما يقول إن رفع تسعيرة الكهرباء لن يؤثر في الشرائح الفقيرة من الأردنيين؟ أشك في ذلك، لأن زيادة سعر الكهرباء يعني غلاء، بعضه بشكل مباشر وبعضه تدريجي، لجميع السلع الضرورية والرفاهية معاً والخدمات، أي غلاء شامل متكامل.
الحكومة، أوقعت نفسها والأردن في ورطة؛ فالفقراء سيزدادون فقراً وعوزاً، والطبقة الوسطى لن تستطيع الحفاظ على مستوى معيشتها، وحتى على توفير نفقات التعليم المدرسية والجامعية لأولادها، بما يعني ذلك من تعميق الاحتقان الاجتماعي واتساع هوة الفروق الطبقية بين الأثرياء والمحرومين فيشتعل غضب القهر والظلم.
الحكومة الحالية، والحكومات السابقة، خاصة التي وقعت الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، ملومة بل وعليها أن تتحمل التبعات، فلماذا تم الدخول في المعاهدة، إذا كان لا بد منها من دون تقديم برنامج وطني يطرح بدائل أكثر عدالة، بل كان جلّ همها أن تثبت للغرب أنها منفذة نجيبة لسياسات أثبتت فشلها.
هناك شعور دونية مخيف أمام الغرب، يرافقه تَكَبُر مهين لإنسانية الفقير والمكافح، وأحيانا استهانة بالجميع ممن هم خارج حلقة المتنفذين الضيقة، لذا كان من الأفضل لو تم إجبار الحكومة كاملة على العيش ومعايشة أهل السويمة المحرومة، في منقطة البحر الميت، قبل انعقاد مؤتمر دافوس لعلهم كانوا يستيقظون، وإن كانت حالة الانبهار بالسلطة غالبة بسطوتها، ولا سبيل إلا بالمعارضة الشعبية لخرق جدران الغطرسة والغرور. (العرب اليوم)
l.andony@alarabalyawm.net
ما يحيرني هم الوزراء الذين أتوا من خلفيات أسر مُكافِحة، وشقوا طريقهم أو كانوا أوفر حظاً، كيف نسوا أو تناسوا كدح آبائهم وأمهاتهم، والسنوات الصعاب؛ أم هل فرصة التحادث و الجلوس مع "الكبار" ، والاختلاط بالرؤساء والنجوم في مؤتمرات مثل دافوس وغيرها أعمت أبصارهم وبصائرهم؟
الاعتماد على النوازع الإنسانية والعطف في السياسة فيها الكثير من السذاجة، ومع ذلك لا يمكن إلا التساؤل عن ضعف الضمير أو غيابه ،الأنكى أن الكثير من هؤلاء يعللون مشاركتهم في الحكومات وسياسات تزيد الناس عوزاً، بأنها خدمة للوطن، وعن حضورهم مؤتمرات مباركة اقتصاد التفقير، على أنه بحث في سياسات التنمية!
مناسبة الحديث، أن مؤتمر دافوس الأخير كان احتفالية رفع الأسعار وإجراءات الإفقار،وبالذات خطوات "التقشف" القادمة، من رفع تسعيرة الكهرباء انتهاء برفع سعر رغيف الخبز- فالأردن كما غيره من الدول، قدم أوراقه الثبوتية بأنه يستحق تجديد عضويته في نادي الأغنياء، ولو كان من قبيل تقاسم الفتات.
المفارقة كانت أن صندوق النقد الدولي العتيد، الذي يشترط لبرلة غير منضبطة وتعويم الأسعار، استغل المناسبة للتنصل من أية مسؤولية لقرار رفع تسعيرة الكهرباء، مؤكداً أن دوره لم يتعد الاستجابة للخطة التي قدمتها الحكومة، وأن مؤسسة الإقراض العالمية لم تجبر الأردن على أي شيء.
حكومتنا تستحق مثل هذه " الموقف" وأكثر، فهي لم تواجه شروط الصندوق ببرنامج بديل يحافظ على الاقتصاد الوطني ولو بحد أدنى من العدالة الاجتماعية، لكن تصريحات الصندوق غير دقيقة، وإن كانت تدل على قلق أن توجه اتهامات للصندوق في حالة بدء احتجاجة شعبية أو انتفاضة جوع وفقر.
الصندوق الدولي، ومن خلفه وعلى جانبه الحكومات الغربية، دائماً يصر على رفع الدعم الحكومي للسلع والخدمات كأهم شروط الإقراض،وما ليس منصوصا عليه بالتفاهمات المكتوبة يمارس من خلال الضغوط السياسية من قبل المسؤولين الغربيين وسفرائهم، وهذا ليس بسر أو اكتشاف.
فلِمَ التلاعب بالكلمات، فالصندوق لا يطلب رفع الأسعار بل رفع الدعم الحكومي، الذي يؤدي إلى رفع الأسعار، أي النتيجة نفسها، فمن يخدعون؟
لكن حكوماتنا تبقى المسؤولة الرئيسية، فصندوق النقد يمثل مصالح البنوك الكبيرة والسوق الرأسمالي العالمي، لكن الحكومات يجب أن تمثل شعوبها؛ وكيف لها أن تفعل ذلك والشعب ليس مصدر السلطات، ولا توجد سيادة للقانون، ولا حماية لحقوق مواطن أو مقيم؟
بل تقوم الحكومات بخداع نفسها والشعب؛ فمثلاً، هل يصدق رئيس الوزراء نفسه حقاً عندما يقول إن رفع تسعيرة الكهرباء لن يؤثر في الشرائح الفقيرة من الأردنيين؟ أشك في ذلك، لأن زيادة سعر الكهرباء يعني غلاء، بعضه بشكل مباشر وبعضه تدريجي، لجميع السلع الضرورية والرفاهية معاً والخدمات، أي غلاء شامل متكامل.
الحكومة، أوقعت نفسها والأردن في ورطة؛ فالفقراء سيزدادون فقراً وعوزاً، والطبقة الوسطى لن تستطيع الحفاظ على مستوى معيشتها، وحتى على توفير نفقات التعليم المدرسية والجامعية لأولادها، بما يعني ذلك من تعميق الاحتقان الاجتماعي واتساع هوة الفروق الطبقية بين الأثرياء والمحرومين فيشتعل غضب القهر والظلم.
الحكومة الحالية، والحكومات السابقة، خاصة التي وقعت الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، ملومة بل وعليها أن تتحمل التبعات، فلماذا تم الدخول في المعاهدة، إذا كان لا بد منها من دون تقديم برنامج وطني يطرح بدائل أكثر عدالة، بل كان جلّ همها أن تثبت للغرب أنها منفذة نجيبة لسياسات أثبتت فشلها.
هناك شعور دونية مخيف أمام الغرب، يرافقه تَكَبُر مهين لإنسانية الفقير والمكافح، وأحيانا استهانة بالجميع ممن هم خارج حلقة المتنفذين الضيقة، لذا كان من الأفضل لو تم إجبار الحكومة كاملة على العيش ومعايشة أهل السويمة المحرومة، في منقطة البحر الميت، قبل انعقاد مؤتمر دافوس لعلهم كانوا يستيقظون، وإن كانت حالة الانبهار بالسلطة غالبة بسطوتها، ولا سبيل إلا بالمعارضة الشعبية لخرق جدران الغطرسة والغرور. (العرب اليوم)
l.andony@alarabalyawm.net