حجب المواقع معاقبة للمواطن الأردني
قد يعتقد بعض أعضاء الحكومة أن حجب مئات المواقع الإخبارية الأردنية أمر مفيد يخدم مصالح الدولة، ولكن الحقيقة بأن حجب مواقع عن الأردنيين في حين استمرارها بالبث خارج الأردن لا يعدو سوى معاقبة للأردنيين في تقليص نوعية الأخبار والأفكار المتوفرة لهم.
من الجيد أن يتم التفكير في تنظيم قطاع كبيرة ومتشعب مثل قطاع المواقع الإخبارية في الأردن، ولكن الاهتمام بالموضوع يتطلب العودة إلى الأساس. فما هو سبب انتشار المواقع الالكترونية؟ البعض يقول إن الانتشار يعود لمحاولة البعض استخدام المواقع لابتزاز المسؤولين وأصحاب النفوذ ورجال الأعمال، في حين يصر القائمون على المواقع على أنهم يوفرون للمواطن معلومات ووجهه نظر غير متوفرة في الإعلام التقليدي.
ولاشك أن في قطاع المواقع الإخبارية مثله مثل أي قطاع آخر، بعض المستغلين ولكن السؤال من هي الجهة التي يجب أن تعالج هذا الموضوع؟
فنجاح المواقع مرتبط بشعبيتها وفي النهاية سيتم غربلة الجيد من السيء من قبل أهم جهة وهي المتلقي. أما إعطاء جهة حكومية قرار ترخيص (مما يعني إمكانية رفض الترخيص) هو أمر لا يتناسب مع عجلة الحياة والتطور العالمي في حرية التعبير وتوفر مواقع حرة مثل فيسبوك والتي لم ولن يصلها مقص الرقيب الأردني الجديد.
أسوء ما في قرار إغلاق أكثر من 300 موقع إخباري أردني أنه يحجب المعلومة والرأي على الأردنيين فقط.
وكأن المسؤول الأردني يريد أن يبقي الأردني في جهل مما يحدث في بلده، في حين يمكن لباقي العالم أن يعرف ما يحدث. فهل يعقل أن يسمح الأردن باستمرار جهل المواطن الأردني بما يجري في بلده في حين يعرف الجميع بذلك؟.
وكيف يعلل المسؤول الأردني قدرة المواطن معرفة الأمور من خلال المواقع العالمية وليس من خلال المواقع الأردنية؟ وهل هناك محاولة لإجبار المواقع الأردنية على الإفلاس المالي في حين تجني المواقع الدولية ومنها الفيسبوك الملايين من دخل الإعلانات على حساب المواطن الأردني.
يقول المسؤولون إن هدفهم بريء وهو مجرد محاولة تنظيم. ولكن الحقائق تبني أمرا آخر. فرغم الادعاء بأن المواقع تم تحذيرها بأنه سيتم حجبها إلا أن أحدا من أصحاب المواقع لم يتم إعلامهم.
وبالعكس قبل أسبوعين فقط قام رئيس الوزراء بمخاطبة مؤتمر معهد الصحافة الدولي وأكد بأنه لم يتم حجب أي موقع وأن السياسة الأردنية في هذا المجال مبنية على فكرة الحوار وتطبيق الاستراتجية الإعلامية الأردنية . ولكن الحكومة لم تحاور أحدا قبل تنفيذ هذه المجزرة بحق الإعلام الالكتروني، كما ومن المعروف أن الاستراتجية الإعلامية ترفض وبوضوح تقييد المواقع وتقترح بدلا من ذلك ضرورة العمل على مبدأ التنظيم الذاتي وهو الأمر الذي رحب ويرحب به أصحاب المواقع الإخبارية.
من الضروري إيجاد حل للمشكلة ليس مبنيا على محاولة الإقصاء أو رفض الآخر. وكما عبرت سمو الأميرة الاعلامية ريم علي في كلمتها الختامية لمؤتمرالصحافة الدولي فإنه من الضروري إيجاد حلول يشارك فيها كافة الأطراف ويعني ذلك تعاون الحكومة مع المواقع ومع المدافعين عن حقوق الإنسان والراغبين بجدية بترسيخ حرية التعبير في الإطار الأردني.
كما ومن الضروري أن يكون الفكر الرسمي الأردني متجانسا ومكملا. فهل يعقل أن يتم حجب 300 موقع إخباري في نفس اليوم الذي تم نشر الورقة النقاشية الرابعة لجلالة الملك عبد الله الثاني والتي جاءت بعنوان "نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة." كما من الغريب أن المطبخ السياسي الأردني والذي قرر بعجالة حجب المئات من المواقع لم يتوقع أن تدخل ثقافة البروكسي للأردن كما دخلت في السعودية وتونس وسوريا.
فأصبح الجميع الآن مستخدما لأدوات تتحايل على الحجب ولكن الأسواء لصاحب القرار الأردني أن المواطن أصبح من خلال البروكسي يدخل إلى مواقع كانت مغلقة لمدة طويلة ولم يكن أحد يعرف عنها. فلا شك أن أصحاب تلك المواقع المتطرفة مسرورين بقرار الحجب الكبير لأنه ضمن عددا كبيرا من الشباب الأردني بتحميل برامج تتجاوز الحجب وتوفر للشاب الدخول في كافة المواقع الممنوعة حاليا وسابقا.
إن قرار الحجب قرار مبني على قانون تم تمريره بالقوة وعارضه فيمن عارضه رئيس الوزراء الحالي والذي كان له آنذاك بعد نظر يبدو أنه خانه بعد أن وصل إلى الدوار الرابع. فالاعتراف بالخطأ فضيلة وإذا ما وافقت الحكومة على تنفيذ ما وعد به رئيس الوزراء وكبار المسؤولين بالتحاور على حل بعض الاشكالات الموجودة في المجتمع الإخباري الالكتروني فسيجدون استعدادا حقيقيا وجديا لإيجاد حلول خلاقة تحمي الأردن من الإساءة الخارجية وتوفر للمواطن الأردني المواطنة الفعالة المبنية على مبدأ دشونة جلالة الملك قبل سنوات عندما طالب بحرية للصحافة سقفها السماء.
* الكاتب أسس موقع عمان نت عام في 15/11/2000 والذي حجب في 3/6/2013 عضو المجلس التنفيذي لمعهد الصحافة الدولي