حجب المواقع لن يحجب الوقائع
لميس أندوني
جو 24 : حجب المواقع الإلكترونية، قضية لا تخص الإعلاميين فقط، بل كل الأردنيين، لأنها تدخل في إطار سلب المواطن حق أن يعرف وأن يصل إلى المعلومات - أي حرمانه من المعرفة وهي حق من حقوق الإنسان.
الحجة الرسمية أن القرار ضرورة لتنظيم القطاع الإلكتروني خاصة لما يشوبه من تجاوزات وممارسات غير مهنية غير مقبولة؛ لا شك أن هناك ضرورة قصوى من أجل رفع سوية الإعلام ومصداقيته، لكن الحل الذي ارتأته الحكومة هو كمن يحاول قتل ذبابة بمطرقة جبارة فتدمر كل شيء حولها، وقد لا تصيب الهدف بعد خراب.
الغريب أن القرار ببدء تطبيق القانون، جاء بعد ان استضاف الأردن مؤتمرين عالميين؛ هما "مؤتمر دافوس الاقتصادي" و"مؤتمر معهد الصحافة العالمي"، حيث أكد المسؤولون الأردنيون من خلالهما أمام شخصيات سياسية وإعلامية عالمية مشاركة، أن حرية التعبير والصحافة هي من أهم أركان عملية الإصلاح في الأردن، والأغرب أن يجري تطبيق الخطوة في يوم الكشف عن "مبادرة التمكين الديمقراطي"، وكأن هذا الإعلان تقويض استباقي لها!
كيف يمكن تفسير هذا التخبط، الذي يصلح أن يكون موضوع مسرحية هزلية لو لم تكن التناقضات التي يحملها بهذه الجدية وتسبب أذى لصورة الأردن في الخارج، وشعور بالإقصاء بالداخل، وإذا كانت الخطوة ضمن خطة مدروسة فإنها تثير التساؤلات عن مستقبل الحريات وعن التحضير لخطوات مماثلة قادمة.
المحصلة أنه لو كانت هناك جهة تحاول جاهدة تشويه سمعة الأردن لما تفتقت عقليتها عن بدء تطبيق حجب المواقع الإلكترونية، وفقاً إلى قانون مثير للجدل أصلاً، واجه استنكارا داخليا عالمياً منذ صدوره والإعلان عنه، ووضع البلد في مصاف أكثر البلدان محاربة لحرية الصحافة والشبكة الإلكترونية.
في بيان شديد اللهجة دعت فيه منظمة "هيومان رايتس ووتش"، الحكومة إلى التراجع عن قرارها الذي وصفته " بمحاولة تهدف إلى التضييق على الصحافة المستقلة"، رافضة مبدأ تسجيل وترخيص المواقع الإلكترونية مذكرة بتوصية مقرر الأمم المتحدة المختص بحماية حرية التعبير في العالم أنه لا "يوجد أي مبرر لتسجيل أو ترخيص مواقع الإنترنت".
فلماذا يكون الأردن في مقدمة الدول التي تتحدى الفضاء الإلكتروني؟ وتتمسك بقانون ليس له علاقة بالعصر، بل خارج العصر، إذ كيف تقرر دولة، مهما كانت قدراتها، شنّ حرب على الفضاء الافتراضي، فلو أراد الأردن تطبيق القانون بحرفيته، ودون انتقائية، فعليه حجب غوغل، وياهو، والفيسبوك و كل مواقع الأخبار العربية والغربية وكل موقع من شنغهاي إلى تمباكتو وما بينهما.
عدا أنها لن تنجح؛ فلم تمض ساعات على حجب المواقع، حتى وجدت مداخل ومواقع بديلة، وتبادل متابعو الإعلام الاجتماعي، في الأردن وخارجه، دليل إيجاد المواقع المحجوبة وطرق استعمالها: أي بدأت حركة تمرد إلكترونية لاقت تجاوبا عالميا وتضامناً واسعاً، قد يكون من إنجازات الحكومة تقليص عدد بتخفيض عدد قراء المواقع فهذه إذا تكون حرباً على القراء لا على الصحافيين فحسب.
المفارقة، أن المواقع محجوبة في الأردن فقط، أي أن المستهدف القارئ داخل البلاد، بينما يستطيع أي أردني مسافر أو مغترب الدخول على المواقع بحرية وسهولة، فأي وضع غريب نحن فيه؟
نتفق أن هناك إشكالية في مستوى المهنية لدى أغلبية المواقع، وهناك خروقات جدية لأخلاق المهنة، لكن جزءا كبيرا منها ناتج عن تدخلات فئات متنفذة لتصفية حسابات مع أعداء سياسيين أو منافسين ماليين، مستغلة حاجة الصحافيين إلى تدعيم رواتبهم الضئيلة، عدا عن تدخل الأجهزة.
لكن أغلب الحكومات تجاهلت الاقتراحات البديلة، بما فيها تشكيل "مجلس شكاوى"، كما في بلاد كثيرة مثل الهند وبريطانيا، ثبتَ فعاليته في الحد من الأخطاء والممارسات المهنية، مع أن الفكرة تمت نقاشها باستفاضة بمشاركة إعلاميين ومسؤولين حكوميين برعاية منظمة اليونسكو ثم اختفى من الجدل وكأنه لم يكن.
أخيرا، إنه إذا كان القرار سياسياً، في توقيته، ففي ذلك مؤشر أخطر؛ هل نحن نشهد بداية انقضاض أوسع على الإعلام لن يفيد في تقليص المعارضة خاصة ضد رفع الأسعار، لأنه لن يزيد الوضع إلا احتقاناً. (العرب اليوم)
l.andony@alarabalyawm.net
الحجة الرسمية أن القرار ضرورة لتنظيم القطاع الإلكتروني خاصة لما يشوبه من تجاوزات وممارسات غير مهنية غير مقبولة؛ لا شك أن هناك ضرورة قصوى من أجل رفع سوية الإعلام ومصداقيته، لكن الحل الذي ارتأته الحكومة هو كمن يحاول قتل ذبابة بمطرقة جبارة فتدمر كل شيء حولها، وقد لا تصيب الهدف بعد خراب.
الغريب أن القرار ببدء تطبيق القانون، جاء بعد ان استضاف الأردن مؤتمرين عالميين؛ هما "مؤتمر دافوس الاقتصادي" و"مؤتمر معهد الصحافة العالمي"، حيث أكد المسؤولون الأردنيون من خلالهما أمام شخصيات سياسية وإعلامية عالمية مشاركة، أن حرية التعبير والصحافة هي من أهم أركان عملية الإصلاح في الأردن، والأغرب أن يجري تطبيق الخطوة في يوم الكشف عن "مبادرة التمكين الديمقراطي"، وكأن هذا الإعلان تقويض استباقي لها!
كيف يمكن تفسير هذا التخبط، الذي يصلح أن يكون موضوع مسرحية هزلية لو لم تكن التناقضات التي يحملها بهذه الجدية وتسبب أذى لصورة الأردن في الخارج، وشعور بالإقصاء بالداخل، وإذا كانت الخطوة ضمن خطة مدروسة فإنها تثير التساؤلات عن مستقبل الحريات وعن التحضير لخطوات مماثلة قادمة.
المحصلة أنه لو كانت هناك جهة تحاول جاهدة تشويه سمعة الأردن لما تفتقت عقليتها عن بدء تطبيق حجب المواقع الإلكترونية، وفقاً إلى قانون مثير للجدل أصلاً، واجه استنكارا داخليا عالمياً منذ صدوره والإعلان عنه، ووضع البلد في مصاف أكثر البلدان محاربة لحرية الصحافة والشبكة الإلكترونية.
في بيان شديد اللهجة دعت فيه منظمة "هيومان رايتس ووتش"، الحكومة إلى التراجع عن قرارها الذي وصفته " بمحاولة تهدف إلى التضييق على الصحافة المستقلة"، رافضة مبدأ تسجيل وترخيص المواقع الإلكترونية مذكرة بتوصية مقرر الأمم المتحدة المختص بحماية حرية التعبير في العالم أنه لا "يوجد أي مبرر لتسجيل أو ترخيص مواقع الإنترنت".
فلماذا يكون الأردن في مقدمة الدول التي تتحدى الفضاء الإلكتروني؟ وتتمسك بقانون ليس له علاقة بالعصر، بل خارج العصر، إذ كيف تقرر دولة، مهما كانت قدراتها، شنّ حرب على الفضاء الافتراضي، فلو أراد الأردن تطبيق القانون بحرفيته، ودون انتقائية، فعليه حجب غوغل، وياهو، والفيسبوك و كل مواقع الأخبار العربية والغربية وكل موقع من شنغهاي إلى تمباكتو وما بينهما.
عدا أنها لن تنجح؛ فلم تمض ساعات على حجب المواقع، حتى وجدت مداخل ومواقع بديلة، وتبادل متابعو الإعلام الاجتماعي، في الأردن وخارجه، دليل إيجاد المواقع المحجوبة وطرق استعمالها: أي بدأت حركة تمرد إلكترونية لاقت تجاوبا عالميا وتضامناً واسعاً، قد يكون من إنجازات الحكومة تقليص عدد بتخفيض عدد قراء المواقع فهذه إذا تكون حرباً على القراء لا على الصحافيين فحسب.
المفارقة، أن المواقع محجوبة في الأردن فقط، أي أن المستهدف القارئ داخل البلاد، بينما يستطيع أي أردني مسافر أو مغترب الدخول على المواقع بحرية وسهولة، فأي وضع غريب نحن فيه؟
نتفق أن هناك إشكالية في مستوى المهنية لدى أغلبية المواقع، وهناك خروقات جدية لأخلاق المهنة، لكن جزءا كبيرا منها ناتج عن تدخلات فئات متنفذة لتصفية حسابات مع أعداء سياسيين أو منافسين ماليين، مستغلة حاجة الصحافيين إلى تدعيم رواتبهم الضئيلة، عدا عن تدخل الأجهزة.
لكن أغلب الحكومات تجاهلت الاقتراحات البديلة، بما فيها تشكيل "مجلس شكاوى"، كما في بلاد كثيرة مثل الهند وبريطانيا، ثبتَ فعاليته في الحد من الأخطاء والممارسات المهنية، مع أن الفكرة تمت نقاشها باستفاضة بمشاركة إعلاميين ومسؤولين حكوميين برعاية منظمة اليونسكو ثم اختفى من الجدل وكأنه لم يكن.
أخيرا، إنه إذا كان القرار سياسياً، في توقيته، ففي ذلك مؤشر أخطر؛ هل نحن نشهد بداية انقضاض أوسع على الإعلام لن يفيد في تقليص المعارضة خاصة ضد رفع الأسعار، لأنه لن يزيد الوضع إلا احتقاناً. (العرب اليوم)
l.andony@alarabalyawm.net