بانوراما الحراك.. حرفة التصيّد ومخاوف النظام
كتب تامر خرمه
كان من المتوقّع أن يسارع كثير من أعضاء جمعيّة تزييف الوعي، وكهنة الإعلام المدجّن، للانخراط تماما في لعبة التصيّد والتذرّع بأوهن الحجج، من أجل تشويه الحقيقة وتوجيه الرأي العام إلى عتمة الرأي الرسمي، منذ اللحظة الأولى لإعلان ائتلاف العشائر توحيد 51 حراكا في فعاليّة "الأردن فوق الجميع".
بالطبع فإن عنوان الفعاليّة لا يروق لبعض من يعتقدون أنّ مفردة "الجميع" تقتصر على وصفهم، فبعد استئثار هذا البعض بالسلطة والثروة بات الشعب -وفقا للسجلات الرسميّة- مجرّد هامش لا يمكن إدراجه في دائرة الفعل، أمّا الوطن فقد تحوّل برغبة عابث إلى محض شركة لبيع وشراء الوكالات الحصريّة، لذا فإن "الجميع" كلمة مناطة بهم وحدهم، والوطن وقف لاستثماراتهم، فهذا هو الواقع الوحيد الذين يحلمون بتأبيده.. ولكن ما أثار سخط هذه الفئة "المتعربشة" على واقع ومستقبل الناس هو ماهيّة الجهة المنظّمة لفعاليّة الجمعة، فمواجهة العشائر الأردنيّة بصفتها الاعتباريّة مسألة لا يجرؤ حتى دهاقنة السياسة والسلطة الأمنيّة على مواجهتها.
ومن هنا كان لا بد من إيجاد مدخل لمناوءة هذه الفعاليّة دون الاضطرار الى الاصطدام مباشرة مع أبناء العشائر الأردنيّة، فبدأت محاولات التربّص والتصيّد تتكثّف مع اقتراب موعد الفعاليّة وارتفاع مؤشّر القلق الرسمي.. حتّى اعلنت الحركة الإسلاميّة قرار مشاركتها في هذه الفعاليّة.
فرصة استغلّها كتبة السلطة أبشع استغلال، فبدأت بعض الأقلام المدجّنة بالترويج لوهم مفاده أنّ هذه الفعاليّة هي مجرّد محطّة اخرى من معارك الصراع الثنائي بين السلطة والاخوان المسلمين، والذي يستهدف الاخوان من خوضه الهيمنة على القرار السياسي، حيث وفّرت المشاركة الرمزيّة لبعض قادة الحركة الإسلاميّة في مسيرة الحسيني، مدخلاً لجلاوزة مشروع تكريس ثنائيّة الصراع، من أجل الانقضاض على هذه الفعاليّة ومهاجمتها، دون الاضطرار إلى التورّط في مغامرة مناوءة العشائر.
مسيرة ائتلاف العشائر جاءت في الوقت المناسب، لتعيد الزخم للحراك الأردني بوصفه حراكا شعبيّا يمثّل أحلام وطموحات جميع الأردنيّين، ولا يقتصر على مشروع ذاتيّ لأيّة جهة سياسيّة، بل باعتبار هذا الحراك رافعة المشروع الوطني الشامل، المطالب باستعادة السلطة للشعب، انطلاقا من أن "الأردن فوق الجميع".
ومن هنا كان القلق يجد مبرّراته لدى طغمة الفساد والاستبداد، فلم تجد أمامها سوى تهويل المشاركة الرمزيّة لقادة أحد الأحزاب السياسيّة في مسيرة العشائر، واستثمار كلّ مفردات الاسلاموفوبيا من أجل تشويه الحقيقة.
يعلم القاصي والداني أن النظام استند منذ تأسيس الإمارة الى العقد الاجتماعي الذي أقرّته العشائر الأردنيّة، بما يمنح السلطة شرعيّتها ومبرّرات وجودها، وكانت العشائر طيلة نصف قرن من الزمن تمثّل ركيزة هذا النظام الذي أخلّ بالتزاماته تجاه من منحوه الثقة والولاء، لذا باتت إعادة صياغة العقد الاجتماعي بما يلازم بين السلطة والمسؤوليّة قضيّة لا يمكن تجاوزها بأي حال من الاحوال.. ومن هنا قرّرت العشائر تنظيم مسيرة وسط البلد تحت شعار "الأردن فوق الجميع"، لتتجاوز بهتافاتها كلّ السقوف. كما شهدت مدينة الطفيلة فعاليّة تحت ذات الشعار.
أمّا مشاركة الاسلاميّين أو غيرهم في هذه الفعاليّة، فهي مسألة لا تتجاوز حدود الواجب والمسؤوليّة، ولا تملك أيّة جهة سياسيّة ان تنسب لنفسها فضل التنظيم، خاصّة وأن المشاركة الحزبيّة في المسيرة اقتصرت على بعض القيادات دون أيّ مظهر من مظاهر التحشيد.
دور وتأثير الحركة الاسلاميّة في الحراك الشعبي الأردني تراجع إلى أدنى مستوياته في الآونة الأخيرة، وكذلك الأمر بالنسبة لكافّة القوى الحزبيّة المنظّمة، فكانت مسيرة الجمعة بمثابة فرصة للاسلاميّين الذي يسعون إلى إعادة بناء تحالفاتهم مع الحراكات الشعبيّة، غير أن ما يعطي لهذه المسيرة أهميّتها ويثير حفيظة المطبخ السياسي- الأمني، هو اسم الجهة المنظّمة الذي يحاول البعض إنكاره وتجاوزه في تناقض غريب مع معطيات الواقع.