jo24_banner
jo24_banner

المسؤولية الإجتماعية ودورها في محاربة وباء كورونا

يزن أحمد العجلوني
جو 24 :



اليوم، يشهد الأردنيون الى جانب العالم أجمع ما يمكن أن يكون أكبر أزمة صحة عامة خلال هذا الجيل. يقال أن الأوبئة مثل الحروب؛ تغير اسلوب حياتنا بدون سابق إنذار. تلك القرارات التي تأخذ شهورًا لتنفذ يتم اتخاذها خلال ساعات قليلة، وأسلوب الحياة الذي لم نكن نتخيله يصبح عاديًا في وقت الأزمات. في 21 يناير، عندما بدأت إيطاليا في التعرف علي أولي حالاتها من الكورونا، رفضت ساندرا زامبا، وكيلة وزارة الصحة الإيطالية، كل التحذيرات، بل إنها أشارت لإمكانية حدوث وباء في إيطاليا مشابه لذلك الذي حدث في الصين بـ "فيلم خيال علمي لن يحدث للإيطاليين". ففي دول مثل إيطاليا، أعطى القادة الأولوية للإقتصاد واهتمامات أخرى، بدلاً من أن يعطوها لإحتمالية مهاجمة فيروس قاتل لشعبهم.

ولكن الأولوية تختلف من دولة لأخرى. ففي الأردن، أرسل قادتنا رسالة واضحة: إن صحة الأردنيين وصحة أحبائهم لها الأولوية الأولى بدون أي شك. ففي الوقت الصعب الحالي، يشعر الأردنيون بتلك الميزة. فنحن نتميز بالفعل لكوننا في دولة تسخر كل إمكانياتها للتأكد من سلامة مواطنيها، على الرغم من أن مواردنا الطبيعية محدودة. لقد شكلت الحكومة الأردنية فريقًا متعدد التخصصات يضم جميع أركان المجتمع، بما فيها الجيش وجهاز المخابرات وكل مورد بشري متوفر لمحاربة هذا الوباء, ففي حربنا مع فيروس كورونا، هذه الجهود تتكامل لتعمل معًا بشكل متماسك، ويتم توجيهها بواسطة قيادة ممتازة، والتي ما زال شعبنا يدعمها ويفخر بها كل يوم. ولو أننا قمنا بفحص وتحليل سياسات الأردن في محاربة فيروس كورونا من وجهة نظر محايدة معنية بالصحة العامة، سنجد أن هذه الجهود تساوي وتوازي أمثل التدخلاتلحماية صحة الشعب كما يدرس في علوم الصحة العامة. ولكن تلك الميزة تأتي ومعها التزام. واليوم، نحن كمواطنين لدينا التزام لندفع ثمن تلك الميزة: يجب علينا أن نفهم دورنا في هذا التدخل الصحي التاريخي ونقوم به علي أكمل وجه.

الأبعاد الإجتماعية للتدخل في الصحة العامة

علي مدى عقود، أظهرت الأبحاث فعالية وضرورة تعاون أفراد المجتمع في التدخل لحماية الصحة العامة. ففي علم الصحة العامة، يعرف هذا الأمر بنهج المشاركة، ويعتبر نهج المشاركة أساس أي سياسة ناجحة. فبدون شك، لن تتمكن الحكومة الأردنية من التعامل بنجاح مع هذا الوباء بدون تعاون المواطنين. بل في الواقع، لا توجد هيئة معنية بالصحة العامة يمكنها أن تتدخل بنجاح بدون تعاون أفراد المجتمع، بغض النظر عن عدد أفراد الرعاية الصحية، أو مدي خبرتهم، أو مستوي التقدم الطبي والتقني المتوفر. يجب أن نتذكر أننا-كمواطنين-نمثل عنصرًا فعالاً في الحرب ضد فيروس كورونا.

أهمية تعاون المجتمع ظهرت بوضوح خلال وباء الإيبولا عام 2018. لعدة سنوات، كان الناس في عدة بلاد في غرب أفريقيا مستخفين بخطورة الإيبولا، وكان من شبه المستحيل أن يحصل القادة علي دعم أفراد المجتمع لتتبع الناس المخالطين للمصابين بالمرض، وكذلك في التطعيمات والمتابعات، الى جانب التأكد من أن مراسم الدفن آمنة. جميع محاولات التدخلات في الصحة العامة باءت بالفشل، الى أن أصبح جميع أفراد المجتمعات في غرب إفريقيا مستعدين للتعاون بدون أي نوع من الفهم الخاطئ بشأن طبيعة الوباء. ونجحت أغلب البلاد في غرب إفريقيا في التغلب علي وباء الإيبولا بعدما تعاون جميع أفراد المجتمع. وكانت النتيجة أن الأمة أصبحت بخير صحة، مدعومةً بمواطنيها الذين سمحوا لنظام الرعاية الصحية أن يغلب ذلك الوباء بتعاونهم.

مسئوليتنا الإجتماعية في الأردن

في هذه الأوقات الصعبة، الخيار الحذر والمسئول هو أفضل خيار. يجب أن نفهم أنه بعدم إطاعة القوانين الحالية، نحن نساهم في فشل ما يمكن أن يكون واحدًا من أفضل التدخلات الصحية المنفذة عالميًا، هنا في وطننا الحبيب، الأردن. وواجبك كفرد من المجتمع أن تحمل أسرتك وجيرانك مسئولية البقاء بالمنزل، وأن تبذل جهدك لرفع معنوياتك أنت والاشخاص المحيطين بك. دعونا نستمر في إظهار فضيلة الإيثار تجاه أفراد المجتمع بوقايتهم ووقاية أنفسنا. فنحن الآن نحتاج أن نتحلي بصفات التعاطف والشفقة وكرم الروح والفعل أكثر من أي وقت مضي. ليس خفيًا أن الأردن دولة ذات موارد طبيعية محدودة، ولكن أهم مواردنا كانت وما زالت مواردنا البشرية. وفي أوقات مثل هذه يجب علي مواطني الأردن أن يهبوا لمساعدة الوطن بمسؤوليتهم ووعيهم.

يقال أن الصبر فضيلة. في مثل هذه الأوقات، يصبح الصبر مسئولية اجتماعية لها دور حيوي في نجاح تدخلات الحكومة الأردنية لحماية الصحة العامة. اليوم، الأردنيون لديهم القدرة. القدرة علي تحويل هذا الكابوس الى قصة نجاح تخبر العالم أجمعه عن صلب الشعب الأردني لأجيال.

هذه العاصفة البشعة سوف تمر بعون الله. ولكن الخيارات التي نتخدها اليوم ستحدد شخصيتنا.


** يزن أحمد العجلوني هو باحث في الصحة العامة بجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة وبمدرسة ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك. لديه العشرات من الأبحاث العلمية في مجال الصحة العامة، بالإضافة إلى مساهمته في كتابة أربع فصول لكتب علمية تركز على الصحة العامة وعلوم المتعلقة بمنطقة المعيشة والجغرافية المكانية للمكان الذي نعيش به.
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير