كيف يمكننا إعادة الحياة لشوارع الأردن: الحياة بعد رفع حظر التجول
يزن أحمد العجلوني
جو 24 :
هل سيغير فيروس كورونا أسلوب حياتنا الذي نعرفه ، أم انه مجرد إزعاج مؤقت يجب علينا مقاومته في الوقت الحالي فحسب؟
علي مدار الشهور الماضية، قامت الاستراتيجية الأولى للمملكة المتحدة والتي كانت محاولة إكساب الشعب مناعة طبيعية بطريقة "مناعة القطيع" (والتي تسمي أيضًا بمناعة المجتمع)، بإحداث اضطرابات هائلة. مناعة المجتمع هي نوع من المناعة الطبيعية التي يكونها جسم البشر لحمايتهم من الأمراض المعدية، وتتكون مناعة المجتمع عندما تصبح نسبة كبيرة من السكان محصنة ضد العدوى، سواء بفضل عدوى سابقة أو بالتطعيم. وبذلك توفر هذه الطريقة وسيلة لحماية الأفراد الذين لا يمتلكون مناعة ضد العدوى، بحيث تقل فرصتهم بالتعرض للعدوى نظرًا لأن نسبة كبيرة من السكان ليسوا مصابين. في الوقت الحالي لا نتوقع ظهور تطعيم أو دواء فعال ضد فيروس كورونا في المستقبل القريب.
لو لم تكن آثار فيروس كورونا شديدة، لكانت خطة إكساب المجتمع مناعة القطيع خطوة منطقية. ولكننا أصبحنا نعرف أكثر عن المرض الآن. لدى فيروس كورونا قابلية لنشر العدوى (يشار لها بـ R0 في علم الأوبئة) تقدر بـ 2.5. هذا يعني أن كل شخص مريض ينقل العدوى لـ 2.5 أشخاص آخرين بالمتوسط، مقارنة بالإنفلونزا التي لديها R0 يقدر بـ 1.5. كما يمكن معايرة الفيروسات بطريقة أخرى، حسب نسبة الأشخاص المصابين الذين يجب توفير الرعاية لهم بالمستشفى. الانفلونزا الموسمية توجب على 1% من ضحاياها أن يبقوا بالمشفى لتلقي الرعاية. أما بالنسبة لكوفيد-19، هذا الرقم يتراوح بين 10 إلى 20%، ولكن لم يتم تحديده بدقة بعد. على مدى شهرين، يمكن لشخص مصاب بالانفلونزا أن يصيب 386 شخصًا آخرين بالعدوى، وعدد قليل منهم سيحتاج لتلقي الرعاية بالمستشفى. بينما في نفس الفترة، يمكن لمريض فيروس الكورونا نقل العدوى لـ 99,000 شخص، منهم حوالي 20,000 ممن يحتاجون لتلقي الرعاية بالمشفى.
هذه الأرقام مخيفة لدرجة كافية توضيح أن الاعتماد على مناعة المجتمع فحسب لن يكون كافيًا، ويجب التدخل لإنقاذ الوضع. الأردنيون يعيشون في حالة حظر تجول لما يقارب الأسبوعين الآن. كان هذا القرار استجابة منطقية تمامًا نظرًا لطبيعة هذا الفيروس المستجد. ولكننا يجب أن نفهم أنه بسبب طبيعة هذا الوباء، فإن نجاح هذا الحظر سينصرنا في المعركة الأولى فقط، ولكن ليس في الحرب. ربما نكون قد نجحنا في السيطرة على الانتشار المبدئي للوباء في بلدنا. ولكننا يجب أن نعي أننا لم نكتسب أي نوع من مناعة المجتمع. ولعدم توافر تطعيم أو دواء بالمستقبل القريب، فإن هذا سيفرض قيودًا صارمة ومؤثرة على حياتنا بعد انتهاء الإغلاق والحظر.
الرسالة واضحة: حظر التجول في الأردن كان فقط الخطوة الأولي في قتال طويل ستختلف شدته من منطقة لأخرى ببلدنا. لا يجب على الأردنيين أن يسعدوا بانتهاء الحظر في أي وقت قريب. بل بالعكس، يجب عليهم الاستعداد للمرحلة التالية من قتالنا مع هذا الوباء؛ مرحلة تعتمد على تصرفاتنا الفردية واختياراتنا الشخصية.
التدخلات على مستوى المجتمع والمسئوليات الفردية.
للأسف لن ينتهي القتال قريبًا. حتى لو انتهى حظر التجول، الميادين العامة والتجمعات يجب أن تكون محدودة. لا يمكننا رفع حظر التجول فجأة، ولن نتمكن من العودة لحياتنا الطبيعية في غضون أيام أو حتى أسابيع، كما يتخيل البعض. بدلاً من ذلك، يجب أن نعود تدريجيًا لبعض الجوانب المحددة من حياتنا 'الطبيعية'. الحدائق ومراكز التسوق والسينمات والأحداث الرياضية كلها يجب أن تظل مغلقة. التنقل بين المدن يجب أن يتم الإشراف عليه من قبل المسئولين.
ومع اقتراب رمضان، لدينا مسئولية لتعديل مستوى نشاطاتنا الفردية. فعلى سبيل المثال، يجب أن نقلل الزيارات العائلية وكذلك يجب إعادة النظر في موضوع السفر من مدينة لأخرى لأداء الواجبات الأجتماعية. لعدم اكتسابنا مناعة القطيع أو توافر دواء فعال، ليس من المستبعد أن نظل في خطر بسبب فيروس كورونا.
الدول التي تمتلك أعداد منخفضة من المصابين، مثل الأردن، غير حصينة ومعرضة للخطر من موجات مستقبلية من الوباء. فبدون مناعة المجتمع أو أي تطعيم متوقع، يكون الحظر قد أتاح لنا بعض الوقت لنعيد النظر في الطريقة التي يجب علينا متابعة حياتنا بها بوجود مثل هذا الفيروس. لن تعود الحياة لطبيعتها حتى بعد انتهاء الإغلاق التام. يجب أن نعي خطورة السفر والتنقلات، وتفاعلاتنا الاجتماعية وتصرفاتنا الفردية. نجاح حربنا مع وباء فيروس كورونا بدأ بسياسات الحكومة الصارمة، ولكن الصورة النهائية ستحدد بتصرفاتنا الملائمة.
حان الوقت لنتعايش مع واقع يقول لنا أن هذا الوباء قد غير حياتنا وسيستمر في فعل ذلك بالمستقبل القريب. حظر التجول هو أحد أول الخطوات في القتال ضد وباء فيروس كورونا بالأردن. ربما سيساعدنا الحظر لننتصر بالقتال، ولكننا لم نفز بالحرب بعد.علينا كأردنيين أن نأخذ على عاتقنا مهمة الاستمرار بالقتال.