بين الأمن الصحي والأمن الغذائي.. جريمة السوق السوداء
جو 24 :
تامر خورما - في هذه الظروف الصعبة، تستوجب الحكمة الموازنة ما بين الأمن الصحي والسلامة العامة من جهة، وبين استمرار إنتاج السلع الأساسية، لا سيما الغذائية والدوائية، من جهة أخرى. الغذاء والدواء هما المتنفس الإقتصادي الحاسم في هذه الظروف، ومن العبث الحديث عن حماية المواطن، دون استمرار خطوط إنتاج هذه السلع، بأعلى درجات الحرفية، التي تحول دون هيمنة شبح السوق السوداء، وتجار الوباء.
للمسألة بعدين، الأول مرتبط بالاحتياجات اليومية للمواطن، وضمان ديمومتها في ظل قرارات الدفاع، حتى التمكن من محاصرة الوباء تماما، والقضاء عليه، دون الاضطرار إلى وضع المواطن بين خيارين: إما الالتزام بقرارات الحكومة، أو تلبية احتياجاته الأساسية.. إما الأمن الصحي، أو الأمن الغذائي.. هذه المعادلة لن تقود سوى إلى ضرب التكاتف الشعبي الحكومي، لتجاوز المرحلة، في مقتل.
الحكومة أكدت مرارا وتكرارا، حرصها وعملها الجاد على ضمان ديمومة الإنتاج الزراعي، وفرض الرقابة على السوق. حتى أن وزير الزراعة، إبراهيم شحاحدة قال إنه نقل مكتبه إلى السوق المركزي، وهذا جميل. لكن، مع الأسف، وردت شكاوى حول عدم توافر، أو قلة بعض المنتجات، رغم الحديث الرسمي حول وفرة المخزون الغذائي لفترات أكثر من آمنة. والأكثر خطورة من هذه الشكاوى هي تلك المتعلقة باستغلال التجار، ورفع الأسعار في مختلف مناطق المملكة. حتى أن الأمر وصل للحديث عن وجود سوق سوداء على أبواب السوق المركزي، وفقا لمدير السوق، أنس محادين.
حتى لو كان المخزون الغذائي متوافر لفترة أكثر من آمنة، فإن هذا غير كاف، ولا معنى له دون ضبط الأسواق، وإيصال السلعة من المزارع إلى المستهلك بقيمة عادلة لكافة الأطراف، بعيدا عن جشع سماسرة المرض، وتجار الكوارث. شهود عيان في أكثر من مدينة ومحافظة، أكدوا جنون أسعار الخضار، والفاكهة، وبيض المائدة، حتى أن منصات التواصل الإجتماعي غرقت في هذه الشكاوى.
الناطق الإعلامي في وزارة الصناعة والتجارة والتموين، ينال البرماوي، قال في تصريحات أدلى بها للأردن 24، بعد ظهر الخميس، إن الوزارة تفرض رقابة مشددة على الأسواق في كافة أنحاء المملكة، وتقوم بمتابعتها من خلال مراقبة الأسواق، داعيا المواطنين إلى التقدم بالشكوى، في حال حدوث مخالفة هنا أو هناك.
الرهان على البلاغات وشكاوى المواطنين لن يكون حاسما في هذه الظروف الاستثنائية. كما أن كافة الأرقام الرسمية مشغولة إلى درجة تفوق أصخب ضجيج في خلية نحل، نظرا للظرف الراهن. حتى أن الأردن 24 حاولت مرارا وتكرارا الوصول إلى وزير الزراعة، إبراهيم شحاحدة، دون جدوى!
إذا ما العمل؟ لا بديل عن تفعيل سبل ولجان الرقابة، ورفع كفاءة أدائها إلى أعلى الدرجات الحاسمة. نحن في ظل قانون دفاع، والتلاعب بالأسعار ومحاولات فرض قانون السوق السوداء في مثل هذا الظرف، ليس استغلال بشع لحاجة المواطن فحسب، بل تحد مباشر وفاضح للدولة!
أما البعد الثاني للمسألة، فهو ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، والمزارع نفسه. الممرضون ليسوا وحدهم من يحارب في الصفوف الأمامية، من أجل نجاة الجميع، والعبور بمركب الوطن إلى بر الأمان. المزارعون أيضا جنود لا يمكن التقليل من أهمية دورهم على الإطلاق. إنصاف المزارع، وضمان قدرته على تحقيق إنتاج مستدام، دون قهره أو استغلاله، هو صمام الأمان، لعدم الإنهيار في خيارات من قبيل: إما الوقاية، أو الجوع.
ولا يقف الأمر عند حدود مصلحة المزارع فحسب، وارتباط هذه المصلحة بمصلحة المستهلك، بل يتجاوزه إلى المصلحة الوطنية العليا. في ظل الإغلاق التام، وتوقف معظم القطاعات الاقتصادية عن العمل، لا يمكن تجاهل الأهمية القصوى للقطاع الزراعي، الذي بات المتنفس الإقتصادي الوحيد للدولة، إلى جانب القطاع الدوائي.
المصلحة الوطنية العليا مهددة بجلاوزة السوق السوداء، وجلاوزة استثمار الكوارث والأوبئة، فهل نقف متفرجين، ونكتفي بالتصريحات الإعلامية، التي يناقضها الواقع في كثير من المفاصل؟
الحكومة بذلت جهدا استثنائيا فيما يتعلق بالأمن الصحي، ولكن معادلة النجاة لن تحكم حلقاتها دون جهود مماثلة لضمان الأمن الغذائي، وقطع يد الاستغلال من جذورها! ولا ننسى أن خطر الكورونا هو خطر اقتصادي أيضا، إضافة لكونه جائحة صحية..