لا أخاف على وطني إلا من هؤلاء!
جو 24 :
كتب د. عبدالحكيم الحسبان -
في حمأة مشاعر القلق والخوف التي نعيشها جميعا والتي تتوزع ما بين أب يشعر بالخوف على حياته بنفس القدر الذي يخاف فيه على عائلتة صحة وعافية وقوتا ومستقبلا؛ وما بين أم حانية تنظر إلى أطفال حملت بهم أشهر وسنين طويلة محرومة من الراحة والنوم والعافية لتمنح كل هذا لأطفالها، وهي ترقب بعيون يملئها القلق والخوف على تلك الحصيلة التي استثمرت بها أجمل سنين حياتها مخافة أن تذهب كل تلك الحصيلة في لحظة يتمكن فيها الوباء، أجدني أتفهم هذا القلق. فالقلق والخوف عندما يتعلق الأمر بالحياة تحديدا، هي مشاعر إنسانية نبيلة يتشارك بها كل البشر بل ونتشاركها حتى مع شركائنا في الطبيعة من الكائنات الأخرى. لطالما اعتدت أن أقول لطلبتي في صفوف التدريس أن خريطتنا الجينية تجعلنا نتشارك مع كل الكائنات الحية الأخرى نفس الخريطة بنسب مئوية تزيد في أحيان كثيرة عن التسعين بالمئة.
ومع كل الاحترام ألذي أسجله لمشاعر القلق التي نعيشها هذه الأيام، إلا أنني أجدني لا أشعر بالقلق من الفيروس وتغوله بالرغم من خطورته، فلطالما واجهت البشرية أخطارا بنفس القدر من الهول وربما أكثر هولا. بل أن أكثر ما يثير القلق في نفسي على وطني، هو ليس من الفيروس على خطورته، بل أجدني وقد تملكني القلق الشديد من الكيفية التي يتعاطى البعض فيها مع الأزمة:
-أشعر بالقلق من وزير أجزم أنه لم يسمع بالفيروس ولا بمخاطره على الوطن والمجتمع. فخوف معاليه يتأتى من خطر الفيروس على الكرسي الذي يجلس عليه، لا على الوطن الذي أتمن عليه. فهو قد جعل من الكرسي الذي يجلس عليه الوطن الذي إليه ينتمي. ثمة فارق بين أن تقاتل كوزير وأنت ترتجف على وطن تخاف أن تفقده مرة واحدة وللأبد وبين أن تقاتل من أجل استدامة كرسي وزاري تجلس عليه، وطمعا في كرسي أكبر من ذاك الذي تجلس عليه. القلب الذي يرتجف خوفا على وطن سوف يكون منفتحا على كل فكرة تخدم الوطن، وسوف يعطي الأمر ليديه لتتشابك مع كل أيدي الشركاء في الوطن لتصل إلى أفضل الحلول للنجاة. في الأزمة التي نعيش أجزم أن هناك من الوزراء من أشعرنا أنه فعلا يخاف على وطن، وان يديه وقلبه يرتجفون خوفا على وطن وليس خوفا على كرسي يجلس عليه.
-وأشعر بالقلق من رئيس جامعة عجز عقله كما عجزت حواسه الخمس أن ترى حجم الخطر الماثل على الوطن، ناهيك عن عجزه المزمن أن يرى الوطن ويحس به، وأن ينتمي إليه. العجز المتمادي في الإدراك لحجم الخطر وفي الانتماء للوطن كانت نتيجته عجزا في إدراك تلك القدرات والموارد والتجهيزات والعقول والخبرات والمختبرات التي راكمتها جامعته، وكان يمكنه أن يزج بها في معركة الوطن في مواجهة الفيروس، فيقدم أفضل هدية وأعطية لوطنه كما لتاريخه الشخصي. مرة أخرى، ثمة فارق بأن تفهم معركتك على أنها معركة من أجل حماية الوطن والأمة والبشرية، أو أنها مجرد معركة لضمان استدامة كرسي تخاف أن تفقده جراء اتهام بالتقصير.
-وأشعر بالقلق من عميد أو أستاذ في جامعة يحمل لقب أستاذ ويتباهى بقائمة غير متناهية من الأبحاث وعضوية اللجان ومن الخبرات ولكنه لحظة هجوم الفيروس على الوطن لم يعرف ولم يرد أن يعرف أن محنة الوطن هذه تتطلب منه تلك الخبرات والقدرات والمهارات العلمية والعملية والتقنية التي يفترض أنه راكمها، فكانت مصيبة الوطن والمجتمع أنه وبدلا من استخدام عقله وكنوزه وموارده العقلية ليزج بها في المعركة من أجل الوطن، فقد قرر أن يستخدم عضلات يديه ليحمل سلالا من الطعام ويقدمها لبعض المحتاجين أمام كاميرات المصورين، فأساء للوطن وللعلم وللجامعة بنفس القدر الذي أساء فيه للكرامة الإنسانية نفسها.
في المعركة التي نخوضها ضد الفيروس ننتصر فعلا عندما يضع كل منا الوطن نصب عينيه وعندما يكون الوطن هو المقصد والمبتغى والهدف. ومنطق التاريخ يقول أننا ننتصر فقط عندما نقرر أن تكون معاركنا كبيرة وليس معارك صغيرة من أجل كرسي أو منصب او حفنة من مال، وبالتأكيد فما فمن معركة يمكن أن تكون أكبر من معركة تتعلق بوجود وطن.