عالم ما بعد الكورونا وخيار الأردن الوحيد
جو 24 :
تامر خورما - العالم يشهد تحولات دراماتيكية متسارعة، من شأنها أن تحدث تغييرات مفصلية، في بنية النظام العالمي. العولمة كما كنا نعرفها قبل جائحة الكورونا، لن تستمر بذات الملامح بعد انحسار هذه الجائحة، بما ستفرضه من نتائج ومعطيات جديدة.
المخاض الاقتصادي بدأ صراحة قبل ظهور وانتشار كوڤيد_19. الأزمة الدائمة للنظام الرأسمالي العالمي بلغت نقطة حرجة، ما كان لها إلا أن تقود لإعادة إنتاج أزمة العام 2008، بسيناريو أكثر ظلامية، إلا أن ظهور هذا الفيروس التاجي المستجد، سيفضي إلى تعقيد الوضع أكثر مما هو عليه، وتسريع نتائجه الكارثية.
الولايات المتحدة أثبتت تماما فشلها في قيادة العالم اقتصاديا، وبدأت نتائج حربها الناعمة مع الصين بالتبلور لصالح الأخيرة. أما بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ اليمين يتصاعد فيه حتى قبل هذه الطفرة الوبائية، فالجائحة قد تتمخض عن تردد أصداء "البريكسيت" في معظم أرجاء القارة العجوز.
ولكن ماذا بالنسبة للحلقة الأضعف في سلسلة النظام الاقتصادي العالمي: دول العالم الثالث، وتحديدا المنطقة العربية؟
باستثناء الدول المنتجة والمصدرة للنفط، فإن النتائج ستكون أقل كارثية، ولكن هذا لا يلغي أن الركود الاقتصادي القادم سيصفعنا لا محالة. كما أن سياسة التعويل على رعاية "الأخ الأكبر" وحاتمية كرم "المانحين" ستطوي ذاتها بذاتها. أوروبا التي تخلت عن جنوبها، وتركت روما ومدريد تواجهان الموت منفردتين ومعزولتين، لن تكون دولة كالأردن على جدول أولوياتها مستقبلا.
أما الأخوة الأعداء في واشنطن، فسيكون أمامهم مشوار طويل لالتقاط الأنفاس. السخرية تفرض نفسها هنا، فالأزمة مازالت في بداياتها، وها هم المكسيكيون يتظاهرون احتجاجا على زيارة "اليانكيز" لبلادهم.. وهذه مجرد البداية!
إذا ما العمل؟ كيف على الأردن أن يواجه تداعيات عاصفة ما بعد الكورونا؟
الحل لا يحتاج إلى كثير من التحليل والاستدلال، فهو باختصار يفرض نفسه، شئنا ذلك أم أبينا، ويتلخص في كلمتين: الاعتماد على الذات.
علينا قبل أن نبدأ التخلي عن معزوفة النشاز المتعلقة بشح الموارد وضعف الإمكانيات. بدايات هذه الجائحة الكونية أثبتت أن الأردن قادر عند توفر الإرادة على تحقيق ما عجزت عنه حكومات دول كبرى، طالما اتخذها البعض مثالا نموذجيا، وحلما بعيد المنال. اليوم نحن أمام معطيات جديدة، وقد تبين بوضوح قدرتنا على التعامل معها، بالاعتماد على أنفسنا فقط.
والآن لنتساءل، ماذا يحتاج الأردن للاستمرار في ظل هذه الجائحة؟ الغذاء، والدواء، والطاقة.. جواب بديهي يؤكد ضرورة دعم هذه القطاعات، وإعادة الاعتبار للصناعات الدوائية الأردنية، بما يليق بسمعتها الجيدة، على المستوى العالمي. أما بالنسبة للطاقة، فمازال الصخر الزيتي، وحقل حمزة، وغيرهما من موارد، بانتظار من يعلق الجرس، وينتزع الإرادة الذاتية الحرة، كما انتزعها من فم الوباء.
وفيما يتعلق بالقطاع الأكثر أهمية وحيوية، وهو القطاع الغذائي، فلا ننسى أن الأردن كان من أهم دول المنطقة المصدرة للخضار والفاكهة خلال حقبة الثمانينيات، وأسواق الخليج شاهدة على ذلك، ما يستوجب إعادة الاعتبار أيضا للمزارع الأردني، وأبناء الحراثين، من خلال العودة إلى الكلمة الأولى من الدرس الأول للصف الأول: زرع!
كلمة السر لمواجهة عالم ما بعد الكورونا هي القمح.. هذا هو ماء الحياة الذي على الدولة الأردنية العودة إلى ينابيعه.. سهول حوران، ومادبا، والبيادر وغيرها، كانت تاريخيا ينبوع الشباب الاقتصادي الدائم، بسنابلها الذهبية، قبل أن يجففها وباء الاتكال على الآخرين، واللهاث وراء أوهام اللزوجة الإقتصادية.. اليوم تفرض الكورونا أجندتها: إما إحياء هذا الكنز، أو الهلاك!
أما بالنسبة للقطاع الخاص، المتمثل بالشركات الكبرى من جهة، ورأس المال الأجنبي من جهة أخرى، فلطالما قدمت له الدولة الأردنية المن والسلوى على أطباق من ذهب، عبر تسهيلات ضريبية غير معقولة، وتدابير وصلت إلى درجة الغزل الاقتصادي. اليوم حان وقت تسديد فاتورة الحساب، فقد تنكر هذا القطاع للدولة التي منحته إمكانية هائلة لمراكمة الأرباح، وتوريدها إلى الخارج. لذا، فالحديث عن التبرعات الطوعية لم يعد مجديا، ولا بد من فرض ضريبة طوارئ مستدامة على هذه الشريحة الكمبرادورية، وهذا أضعف الإيمان!