بانوراما الحراك.. الجنوب ينتصر لحريّة الصحافة والعاصمة تغرق في خطاب "الأنا"
جو 24 : كتب تامر خرمه
مناهضة النهج البوليسي واستمرار الاعتقال السياسي تلازمت مع التنديد بحجب المواقع الاخباريّة في فعاليّات الجمعة الاحتجاجيّة التي شهدتها جنوب البلاد، خاصّة في مدينتيّ معان والطفيلة، حيث عبّر نشطاء الحراك عن رفضهم لقانون المطبوعات العرفي، الذي تستند إليه السلطة لتزييف الوعي الجمعي وتزوير حقيقة المشهد السياسي الأردني.
لا يغيب عن أحد خباثة اختيار هذا التوقيت بالذات لحجب المواقع والصحف الالكترونيّة، حيث تشهد مدينة معان واقعا مؤسفا، وصفه الحراكيّون بالمؤامرة، فيما بلغ الغليان الشعبي درجة تنذر بإعادة إنتاج هبّة تشرين إثر قرارات السلطة المنحازة ضدّ خبز الفقراء، ناهيك عن التوجّهات الرسميّة لتغليب الخيار الأمني فيما يتعلّق بطريقة التعامل مع التظاهرات الاحتجاجيّة، وهو ما بدأ بالفعل عبر اعتقال الناشطين هشام الحيصة وباسم الروابدة، وإحالتهما إلى "أمن الدولة".
وفي هذه المرحلة الحرجة، اختارت السلطة إقصاء صوت الإعلام المستقلّ، وفرض صحافتها الموجّهة إلى الطرف النقيض تماما من الحقيقة، في خطوة مكشوفة تعكس توجّهات المركز الأمني خلال المرحلة المقبلة، وهو ما أدركه نشطاء الحراك الذين أكّدوا خلال فعاليّاتهم الاحتجاجيّة أن حجب الإعلام الالكتروني مسألة لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال عن محاولات تصفية الحراك.
أمّا الحديث الرسمي المتواصل عن "هيبة الدولة".. ذلك المفهوم الذي اختزلته السلطة بخيار "أمن الدولة"، فيدفعنا إلى التساؤل عن ماهيّة "الدولة" وتعريفها في القواميس الرسميّة الغريبة.. أليست المعارضة مثلا جزءً من هذه الدولة التي تغوّل الفساد في مختلف مفاصلها ؟! هل يقتصر مفهوم 'الدولة' على السلطة فقط، في حين يُعتبر من هو خارج دوائر صنع القرار من كوكب آخر ؟!!
والسؤال الأكثر إلحاحاً هنا، ألا تعتبر مغامرة السلطة الاقتصاديّة تهديدا يقوّض وجود الدولة ؟! فالإصرار على رفع أسعار الخبز الكهرباء وتهديد الأمن المعيشي للمواطنين وما سيترتّب عن ذلك من نتائج، سياسة لا يمكن تحميل مسؤوليّتها للمعارضة، وعلى السلطة أن تعلم جيّدا أنّها وحدها من يسعى بكلّ الوسائل إلى تقويض حاضر الأردن ومستقبله.
قضيّة الأسعار تحتلّ الأولويّة القصوى، سواء فيما يتعلّق بهموم الناس أو بالمصلحة الوطنية العليا، وهو ما دفع حزبيّ حشد والوحدة الشعبيّة إلى تنظيم فعاليّتهما في اربد تحت شعار مناهضة قرار رفع أسعار الكهرباء، مطالبين بإسقاط نهج التبعيّة للمؤسسّات الماليّة الدوليّة التي أثقلت الأردن باملاءاتها الجشعة.
عودة القوى الحزبيّة لتنظيم الفعاليّات الاحتجاجيّة وطرح الخطاب الذي يلامس هموم الناس المعيشيّة، مسألة من شأنها إعادة الزخم إلى الحراك الشعبي بعد أن تراجع في الآونة الأخيرة لأسباب مختلفة لا مجال لحصرها هنا.. وقرار "حشد" و"الوحدة الشعبيّة" في اربد بالنزول مجدّدا إلى الشارع، جاء ليشكّل استجابة مسؤولة لما يتوقّعه الناس من قوى المعارضة السياسيّة، خاصّة وأنّ الفعاليّات الاحتجاجيّة التي تقودها تنسيقيّة الحراك في الشمال تراجعت إلى أدنى مستوياتها.
أمّا في العاصمة عمّان فقد جاء الوضع مغايراً تماماً لما تقتضيه المصلحة الوطنيّة التي لا يمكن تحقيقها بمعزل عن استمرار الحراك، والتي تتناقض تماماً مع محاولات تغليب المصلحة الحزبيّة الفرديّة على الواقع الأردني، فقلب الأولويّات بعد طول غياب عن الشارع، والعودة بخطاب يقتصر على مهاجمة حزب الله والتذرّع بالتعاطف مع الثورة السوريّة للنأي بالذات عن تحمّل المسؤوليّة تجاه هموم وقضايا الشعب الأردني، مسألة تثير كثيرا من علامات الاستفهام، خاصّة وأن قوى المعارضة الأردنيّة لا يمكن لها التأثير على الواقع السوري بأي شكل من الأشكال، بينما قد تكون قادرة على تغيير الواقع الأردني في حال توفرّت الإرادة الحقيقيّة لتحقيق هذا التغيير بعيداً عن الحسابات الذاتيّة، التي تستثمر الدم السوري من أجل الترويج لجهة سياسيّة محدّدة على حساب جهات أخرى.
ومن الصعب جدّا إيجاد أيّ فرق بين "شبّيحة أردوغان" و"شبّيحة الأسد"، فكلّ من الطرفين يؤيّد الثورة التي توصله -هو فقط- إلى السلطة، ويعارض أيّة ثورة تعبّر عن مصالح وتطلّعات الشّعوب دون أخذ حساباته الضيّقة بعين الاعتبار، ولا يمكن النظر إلى فعاليّة وسط البلد سوى في إطار ذات السلوك الأناني الذي دفع الآخرين إلى "التشبيح" مراراً أمام السفارة السوريّة، فالهروب إلى القضايا الخارجيّة لطرح الرغبات الأنانيّة من جهة، والتنصّل من المسؤوليّة تجاه الحراك الأردني من جهة أخرى، مسألة لا تقلّ عن "أمن الدولة" في خطورتها على مستقبل الحراك، بل وعلى المصلحة الوطنيّة وحتّى القوميّة، التي تقتضي تحرّر كلّ الشعوب بلا استثناء.
وإذا أرادت هذه القوى الإصرار على إعلان الولاء لأنظمة معيّنة مقابل معاداة أنظمة أخرى، فعليها على الأقلّ التصالح مع ذاتها والانسجام مع خطابها وعقد تحالفاتها مع مجموعات "الولاء والانتماء" في الأردن، والتي لا يختلف جوهر خطابها عمّا تطرحه تلك القوى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
مناهضة النهج البوليسي واستمرار الاعتقال السياسي تلازمت مع التنديد بحجب المواقع الاخباريّة في فعاليّات الجمعة الاحتجاجيّة التي شهدتها جنوب البلاد، خاصّة في مدينتيّ معان والطفيلة، حيث عبّر نشطاء الحراك عن رفضهم لقانون المطبوعات العرفي، الذي تستند إليه السلطة لتزييف الوعي الجمعي وتزوير حقيقة المشهد السياسي الأردني.
لا يغيب عن أحد خباثة اختيار هذا التوقيت بالذات لحجب المواقع والصحف الالكترونيّة، حيث تشهد مدينة معان واقعا مؤسفا، وصفه الحراكيّون بالمؤامرة، فيما بلغ الغليان الشعبي درجة تنذر بإعادة إنتاج هبّة تشرين إثر قرارات السلطة المنحازة ضدّ خبز الفقراء، ناهيك عن التوجّهات الرسميّة لتغليب الخيار الأمني فيما يتعلّق بطريقة التعامل مع التظاهرات الاحتجاجيّة، وهو ما بدأ بالفعل عبر اعتقال الناشطين هشام الحيصة وباسم الروابدة، وإحالتهما إلى "أمن الدولة".
وفي هذه المرحلة الحرجة، اختارت السلطة إقصاء صوت الإعلام المستقلّ، وفرض صحافتها الموجّهة إلى الطرف النقيض تماما من الحقيقة، في خطوة مكشوفة تعكس توجّهات المركز الأمني خلال المرحلة المقبلة، وهو ما أدركه نشطاء الحراك الذين أكّدوا خلال فعاليّاتهم الاحتجاجيّة أن حجب الإعلام الالكتروني مسألة لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال عن محاولات تصفية الحراك.
أمّا الحديث الرسمي المتواصل عن "هيبة الدولة".. ذلك المفهوم الذي اختزلته السلطة بخيار "أمن الدولة"، فيدفعنا إلى التساؤل عن ماهيّة "الدولة" وتعريفها في القواميس الرسميّة الغريبة.. أليست المعارضة مثلا جزءً من هذه الدولة التي تغوّل الفساد في مختلف مفاصلها ؟! هل يقتصر مفهوم 'الدولة' على السلطة فقط، في حين يُعتبر من هو خارج دوائر صنع القرار من كوكب آخر ؟!!
والسؤال الأكثر إلحاحاً هنا، ألا تعتبر مغامرة السلطة الاقتصاديّة تهديدا يقوّض وجود الدولة ؟! فالإصرار على رفع أسعار الخبز الكهرباء وتهديد الأمن المعيشي للمواطنين وما سيترتّب عن ذلك من نتائج، سياسة لا يمكن تحميل مسؤوليّتها للمعارضة، وعلى السلطة أن تعلم جيّدا أنّها وحدها من يسعى بكلّ الوسائل إلى تقويض حاضر الأردن ومستقبله.
قضيّة الأسعار تحتلّ الأولويّة القصوى، سواء فيما يتعلّق بهموم الناس أو بالمصلحة الوطنية العليا، وهو ما دفع حزبيّ حشد والوحدة الشعبيّة إلى تنظيم فعاليّتهما في اربد تحت شعار مناهضة قرار رفع أسعار الكهرباء، مطالبين بإسقاط نهج التبعيّة للمؤسسّات الماليّة الدوليّة التي أثقلت الأردن باملاءاتها الجشعة.
عودة القوى الحزبيّة لتنظيم الفعاليّات الاحتجاجيّة وطرح الخطاب الذي يلامس هموم الناس المعيشيّة، مسألة من شأنها إعادة الزخم إلى الحراك الشعبي بعد أن تراجع في الآونة الأخيرة لأسباب مختلفة لا مجال لحصرها هنا.. وقرار "حشد" و"الوحدة الشعبيّة" في اربد بالنزول مجدّدا إلى الشارع، جاء ليشكّل استجابة مسؤولة لما يتوقّعه الناس من قوى المعارضة السياسيّة، خاصّة وأنّ الفعاليّات الاحتجاجيّة التي تقودها تنسيقيّة الحراك في الشمال تراجعت إلى أدنى مستوياتها.
أمّا في العاصمة عمّان فقد جاء الوضع مغايراً تماماً لما تقتضيه المصلحة الوطنيّة التي لا يمكن تحقيقها بمعزل عن استمرار الحراك، والتي تتناقض تماماً مع محاولات تغليب المصلحة الحزبيّة الفرديّة على الواقع الأردني، فقلب الأولويّات بعد طول غياب عن الشارع، والعودة بخطاب يقتصر على مهاجمة حزب الله والتذرّع بالتعاطف مع الثورة السوريّة للنأي بالذات عن تحمّل المسؤوليّة تجاه هموم وقضايا الشعب الأردني، مسألة تثير كثيرا من علامات الاستفهام، خاصّة وأن قوى المعارضة الأردنيّة لا يمكن لها التأثير على الواقع السوري بأي شكل من الأشكال، بينما قد تكون قادرة على تغيير الواقع الأردني في حال توفرّت الإرادة الحقيقيّة لتحقيق هذا التغيير بعيداً عن الحسابات الذاتيّة، التي تستثمر الدم السوري من أجل الترويج لجهة سياسيّة محدّدة على حساب جهات أخرى.
ومن الصعب جدّا إيجاد أيّ فرق بين "شبّيحة أردوغان" و"شبّيحة الأسد"، فكلّ من الطرفين يؤيّد الثورة التي توصله -هو فقط- إلى السلطة، ويعارض أيّة ثورة تعبّر عن مصالح وتطلّعات الشّعوب دون أخذ حساباته الضيّقة بعين الاعتبار، ولا يمكن النظر إلى فعاليّة وسط البلد سوى في إطار ذات السلوك الأناني الذي دفع الآخرين إلى "التشبيح" مراراً أمام السفارة السوريّة، فالهروب إلى القضايا الخارجيّة لطرح الرغبات الأنانيّة من جهة، والتنصّل من المسؤوليّة تجاه الحراك الأردني من جهة أخرى، مسألة لا تقلّ عن "أمن الدولة" في خطورتها على مستقبل الحراك، بل وعلى المصلحة الوطنيّة وحتّى القوميّة، التي تقتضي تحرّر كلّ الشعوب بلا استثناء.
وإذا أرادت هذه القوى الإصرار على إعلان الولاء لأنظمة معيّنة مقابل معاداة أنظمة أخرى، فعليها على الأقلّ التصالح مع ذاتها والانسجام مع خطابها وعقد تحالفاتها مع مجموعات "الولاء والانتماء" في الأردن، والتي لا يختلف جوهر خطابها عمّا تطرحه تلك القوى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.