كلوا من الطيبات
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
رمضانيات 10
..
خلق الله الكون وسخره لخدمة الانسان (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) وفصل بعظيم آياته (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ )، كما سخر كل ما على الارض وجعل فيها طعاما (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون). يكون هذا التسخير بامتلاكها وفهم خصائصها وتشكيلها وتطويعها وتركيبها صنعاً اخر.
تأتي المأكولات والمشروبات كضرورات لحياة الانسان، وقد خلق الله مالا يحصى من النبات والحيوان، أباح الكثير منها وحرم بعضها. نؤمن ونقر أن الله أحل ما فيه الخير للإنسان وحرم عليه ما يضره. قد ندرك بعض الحكم ولن ندركها كلها، وكل ما تطور العلم أدركناها أكثر.
كانت المصفوفة الالهية واضحة: فقد أمرت ووجهت ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) وضربت أمثلة لبعض ما حرم (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ(، وأنكرت على أقوام فعلهم (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)، وجعلتها من واجبات الرسول المهمة ( يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ(.
الطيبات لا تتوقف عند المأكولات، بل هي سلوك مطلوب من المؤمنين،, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ( وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم (، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر ، يمدّ يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذّي بالحرام ، فأنّى يُستجاب له ؟ )، فالطيب أصله ينجُس ويحرُم اذا حَرُمَ مصدره, وبشكل أوضح (كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به). وحينما يتعلق الامر بمال اليتيم والفقير, أو الشعب والامة كانت حرمته أشد وعذابه أقسى.
الطيبات في الكلام مطلوبة أيضا (الكلمة الطيبة صدقة)، قال بعض المفسرين في الآية من سورة النور (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) : أنها الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول، وخلافها صحيح. لأن الآيات قبل ذلك إنما جاءت بتوبيخ الله للقائلين في حادثة الإفك.
وحَرَّمَ الله الْكَذِبَ لخبثه، وَأَبَاحَ الْمَعَارِيضَ: في الحديث ( إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ)، وفي رمضان (فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم)
وتقبل الله صيامكم ورزقكم من طيبات المال والطعام والكلام.