الحرية مناط التكليف
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
رمضانيات 12
..
التكليف في الاسلام قائم على شرطي: الحرية والعقل، فهما مناط المسؤولية، وهو استلزام لتكريم الله للإنسان (ولقد كرمنا بني آدم). فالحرية في الإسلام انقياد اختياري لنواميس الكون والشرع.
الدين قائم على العبودية لله "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وكان خطاب الرسل لأقوامهم (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )، وأي خضوع لغير الله فهو عبودية، جاء في الحديث عن عدي بن حاتم: أتيت رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ... فقال: أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم!.
كان تحرير الانسان من العبودية لغير الله من صميم الرسالة ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)، ومصداق ذلك أن الإسلام حارب الرق وجعله بابا واسعا للتقرب الى الله . جاء في الحديث الصحيح: (مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّار، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ)، وجعله كفارة للذنوب (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ).
ولعظم قيمة الحرية، فقد جعل الله عز وجل الايمان حرية شخصية (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وأكد ذلك بقوله (لا اكراه في الدين)، ولخص حقيقتها بقوله (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا)
على الصعيد العام : تُقيد هذه الحرية الفردية مقابل حقوق الاخرين والمجتمع، فطغيان الذات على المجتمع يؤدي لفساده ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ(. أما اعلاء الغرائز فهي "حيوانية"، قال تعالى (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا). لذلك كان عصيان اوامر الله واتباع الشهوات عبودية لغير الله (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا).
قال بعض العلماء في تحرر النفس فوق الشهوات: وكذا مشهد المؤمنين وهم ينتفضون من مهاجعهم في الفجر استجابة للنداء الإلهي للصلاة جماعة، ومشهد حجاج بيت الله الحرام، وقد تركوا وراءهم الأهل والوطن، وكذا مشهد المزكين وقد انتصروا على شهوة الكنز، فدفعوا زكاة أموالهم بسخاء.
وفي تشبيه أخر: .. فما أعظم مشهد أسرة متحلقة حول مائدة حافلة بالمطعومات الشهية ولكنها تغالب ضغط الجوع في انتظار الإذن الإلهي بالإفطار. ولخص احر جوهر العبادات بقوله: إن من تمرّن في مدرسة العبادات الإسلامية بوعي وإخلاص يبلغ من التحرر مبلغا لا يطاله غيره.
وبعد كل تلك الحقائق والمفاهيم الاسلامية: أنَى لعبد مؤمن بالله ودينه أن يعيش عبداً لشهواته، أو أن يحني رأسه – خوفاً او طمعاً- لغير الخالق سبحانه، فعش حرّا فهو أقلّ من ثمن الخنوع.
وتقبل الله صيامكم وجعلكم أحرارا عبيدا لله فقط.