وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
رمضانيات 16
..
معركة بدر الكبرى، اولى وأهم معركة في التاريخ الاسلامي، بأثرها وتأسيسها لما بعدها، وليس بعديد المشاركين فيها، لذلك سماها رب العزة : بيوم الفرقان (وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير).
وقعت في مثل هذا اليوم (17 من رمضان من السنة الثانية للهجرة، 13 من مارس سنة 624 م). كانت عدة المسلمين وعددهم قليل (313 رجلا، معهم فَرَسان وسبعون جملاً)، امام عدة العدو وعددهم الكثيرة (950 رجلا، معهم مئتا فرس)،حيث سجلها رب العزة قراناً يتلى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) خاضها المسلمون، ولم يمض على تأسيس الدولة الاسلامية سنتان، ولذلك كان الرسول يدعوا ويناشد ربه بقوله ( اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بالأرض ابدا).
تؤكد معركة بدر الكبرى حقيقة النصر، وانه من عند الله، يمنحه لعباده المؤمنين بعد استكمالهم ما يستطيعون من الامكانات، ثم يتوجهون له بالدعاء، بعدها يكون المدد الالهي. صور الله المعركة بقوله (اذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب). وحينما يعلم الله صدق عباده واخلاصهم له يكون المدد بعشرة بأضعاف من حيث الكم وبما لا يدرك من حيث النوع والفاعلية، في الحديث (هذا جبريل آخذُ برأس فرسه عليه أداة الحرب).
تعود هزائم العرب في العصر الحديث لجملة أسباب منها: انهم نسوا الله فنسيهم، واعتمدوا على شرق أو غرب في عدتهم وسلاحهم، فتركهم الله لما ركنوا اليه، وانهم لم يقيموا العدل بين الناس، وكما قيل: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة. وكانت وصيته عليه السلام لأصحابه بالهجرة هربا من الاذى والظلم الى الحبشة (إن بالحبشة ملكًا لا يظلم عنده أحد، فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجًا). ولعظم هذا الناموس فقد عقد له ابن خلدون في مقدمته فصلا بعنوان: (الظلم مؤذن بخراب العمران).
أذا أردنا أن تنتصر الأمة في معاركها، فعليها التزام منهج الحق (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم)، وأن تولي امورها خيارها (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، وتوحد صفها (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، وتقيم العدل في ارضها (إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل)، وتعتمد على ذاتها (خير من أن يأكل من عمل يديه)، ثم تلجأ الى الله بالدعاء (اذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ)
ما احوجنا أن نعي تلك المعارك الكبرى، ونصوب حياتنا منا أمر الله.
وتقبل الله صيامكم ونصرتكم له في كل أمر.