وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
رمضانيات 19
..
فلسفة روح وتشريعات الدين الاسلامي تقوم على التوازن بين الفرد والمجتمع، فكانت كل التكاليف الحساب يوم القيامة فردية (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا )، ولكن الشعائر التعبدية: كالصلاة والصوم والحج انقسم اداؤها بين: ذاتي فقط كالصوم، ومشترك كالحج، والخلط بينهما كالصلاة.
الصلاة عماد الدين، فهي الركن الثاني بعد الشهادتين، تؤدى فردية وجماعية، فرُغَب المسلم بصلاة الجماعة (صلاةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ من صَلاَةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وعِشرين دَرَجَة) وحُضَ على اتيان المساجد ( صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته ، وفي سوقه ، خمسا وعشرين ضعفا ، وذلك أنه : إذا توضأ ، فأحسن الوضوء ، ثم خرج إلى المسجد ، لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة ، إلا رفعت له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ، فإذا صلى ، لم تزل الملائكة تصلي عليه ، ما دام في مصلاه : اللهم صل عليه ، اللهم ارحمه ، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة).
ذهب البعض الى وجوبها في المساجد كما في الحديث (... سأله: أتسمع النداء، قال: نعم، قال: فأجب)، وجعلها الغالبية فرض كفاية، لا تسقط ذمة الجميع حول مسجد مالم تقم فيه الصلاة. وأوجبها يوم الجمعة (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) في الحديث (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ( وفي فضلها (من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان : براءة من النار، وبراءة من النفاق).
على ذلك فان المساجد لا يجوز اغلاقها الا لضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، تخص ولا تعم، تقيد ولا تتوسع. بعد شهرين من الاغلاق بسبب التحوط لعدم وقوع وباء، وقد تم مبكرا معرفة انه تم تجنب الوباء، وحصر مصادر العدوى، ولاحقا بضبط القادمين، والتوسع بقدرات الفحص والحجر، وثبات الحال في غالبية المدن والقرى اته لا اصابات فيها، فاني أخشى أن يكون الاثم قد وقع علينا بالتوسع في باب الضرورات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا).
وفي هذه الايام الاخيرة من شهر رمضان المبارك التي نزل فيها القران، حري بنا أن نتذكر سنته صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها-، إذ قالت: (كانَ النَّبيُّ يعتَكفُ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ). ولا أظن ان قيام البيوت – والحديث عن عموم الناس- يرقى لقيام المساجد مهما اجتهد الناس. يقول تعالى في وصف عمار ورواد المساجد (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
هذه نصيحة ودعوة لعلماء الدين أن يقوموا بواجبهم الشرعي (وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ)، في بيان الحكم الشرعي في هذه الاحوال بعيداً عن الافراط أو التفريط، فأنتم ورثة الأنبياء اولاً، وموضوع الاحتياطات الصحية تأتي تباعا، فرواد المساجد حريصون على صحتهم وصحة الجميع وسلامة البلاد.
اللهم اني قد بلغت اللهم فاشهد.
وتقبل الله صيامكم وأبرأ ذمة من أبان الحق وبلَغه.