فاستقيموا إليه واستغفروه
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
رمضانيات 22
..
الايمان وحده غير كاف لتجنيبنا العذاب يوم القيامة، بل نحتاج لعمل صالح واستقامة في السلوك، وقد جاءت سورة العصر بالغة الدلالة، وقال عنها الإمام الشافعي رضي الله عنه: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم، قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ). والحديث الشريف يوجه ويلخص هذا (يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي فِي الْإِسْلَامِ بِأَمْرٍ لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قَالَ : قُلْ : آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا أَتَّقِي، فَأَوْمَأَ إِلَى لِسَانِهِ ). فالمؤمن مطالب بالاستقامة الدائمة، ولذلك يسألها ربه في كل ركعة من صلاته (أهدنا الصراط المستقيم ) ولا يتحقق الدعاء مالم تسير بطرق الاستقامة، فالتمنيات لا تكفي دون العمل. وكما هي للأفراد، فهي مطلوبة من الانبياء كذلك، قال تعالى (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك)، وفي حق موسى وأخيه عليهما السلام (قد أجيبت دعوتكما فاستقيما )
الاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم، ويشمل ذلك فعل الطاعات وترك المنهيات كلها، وهي تدل على الاعتدال وعدم الاعوجاج. إنّ كل نشاطات المسلم إن لم تكن الاستقامة مرافقة لها فلا قيمة لها إطلاقاً، بل ينقلب الدين إلى ثقافة، أو إلى عادات. لما كان من طبيعة الإنسان التقصير، وخروجه عن الاستقامة كان علاج ذلك التوبة والاستغفار (فاستقيموا إليه واستغفروه )، والمبادرة بالعمل الصالح، قال صلى الله عليه وسلم:(اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
الاستقامة حال فردي وجماعي، فهناك جوانب لا تتم الاستقامة بها على المستوى الفردي، ولا تحصل ولا تنتج إلا على المستوى الجماعي، والدليل على ذلك قول الله عز وجل ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا)، لذلك فإن مما يساعد في الاستقامة اختيار الصحبة الصالحة، قال تعالى (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ). لذلك كانت ثمرة استقامة المجتمع ما جاء في قوله تعالى (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) وهو كناية عن رغد العيش. الاستقامة مطلوبة بجوهرها إن بانت، واتجاهها إن اختلطت، قال صلى الله عليه وسلم:( سددوا وقاربوا)، فالسداد هو الوصول إلى حقيقة الاستقامة، والمقاربة الاجتهاد في الوصول إلى السداد والقرب منه.
عاقبة عدم الاستقامة كبيرة، في الحديث (.. قَالَ : الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).
تعيش الأمة حالات اعوجاج وابتعاد عن طريق الاستقامة، والنتيجة واضحة لا تحتاج لبيان. والطريق للاستقامة أيضا واضح، قال تعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وصآكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، والبداية (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
وتقبل الله صيامكم واستقامتكم.