"ذاكرة مكان" ندوة في الرواد الكبار
أقام منتدى الرواد الكبار في إطار برنامجه "ذاكرة مكان" ندوة عن مدينة الزرقاء، قدمتها د.هند أبو الشعر، أدارها المدير التنفيذي للمنتدى عبدالله رضوان،الندوة التي أقيمت مؤخرا في مقر المنتدى بعنوان "ذاكرة مكان الزرقاء: الدلالة، الأهمية، التاريخ"، أستهلت بكلمة لرئيسة المنتدى هيفاء البشير.
كلمة: هيفاء البشير
صباحاً طيباً، مليئاً بالفرح والسعادة بحضوركم نلتقي هذا الصباح ضمن برنامجنا الذي نعتز به، وهو ذاكرة مكان للتحدث عن إحدى مدن مملكتنا الحبيبة وهي مدينة (الزرقاء)، حيث نستضيف اليوم الأستاذة الدكتورة هند أبو الشعر، المبدعة الأكاديمية المتميزة، وابنة مدينة الزرقاء لسنوات، كما ونستضيف الدكتور جمال مقابلة الناقد الأكاديمي والدارس المعروف من الجامعة الهاشمية، للتحدث عن هذا المكان /المدينة العزيزة على الأردنيين جميعاً، لذا فاسمحوا لي أن أرحّب أجمل ترحيب بضيفينا الكريمين لتعاونهما وحرصهما على تقديم مادة معرفية أنا واثقة بتميزها وإحاطتها لمختلف مفردات المكان "الزرقاوي".
السيدات والسادة:
كما تعلمون فإن مدينة الزرقاء وما حولها هي المدينة الأردنية الثانية من حيث عدد السكان، وهي مركز للصناعة الوطنية الأردنية ومركز الأيدي العاملة الأردنية المدربّة، وقد عرفت السنوات طوال باعتبارها مدينة (الجيش)، لقرب معسكرات الجيش منها، كما أنها مدينة المبدعين الأردنيين فمنها وفيها عاش ويعيش العديد من مبدعينا، منها خرج المرحوم بدر عبدالحق، والشاعر المرحوم محمد القيسي، وفيها تأسست تجارب إبداعية أدبية متنوعة لكل من فخري قعوار وهند أبو الشعر ويوسف ضمرة ومحمد ضمرة ومحمد سمحان وسميح الشريف وعبدالله رضوان وآخرون.... وهي مدينة المعاهد والجامعات الرسمية والخاصة، بالتالي فإنها تستحق الاهتمام والعناية والتركيز.
الحضور الكريم:
وقبل أن أختم كلمتي هذه أُحب أن أشير إلى أن الزرقاء، هذا المجتمع الحضري الكبير، وعلى تعداد وأهمية الدور الذي تقوم به في مجتمعنا وتطوره ونمائه، فإن الزرقاء تعاني من أكثر من مشكلة سواء ما تعلق بالاكتظاظ البشري والتحديات التي يوجدها من نظافة ونقل وضجيج، أو التحدي الأكبر وهو التحدي البيئي حيث ترتفع نسب التلوث في المدينة وما حولها وبخاصة في مدينتي (الهاشمية والرصيفة) إلى معدلات خطيرة تتجاوز المسموح به دولياً وهذه مشكلات تمثل تحديات حقيقية تحتاج إلى علاج.
وختاماً، أؤكد مرة أخرى بالجميع وبضيفينا الكريمين، متمنية للجميع أصبوحة ثقافية تليق بنا جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د.هند أبو الشعر- الزرقاء نسيج وحدها –
هذه مدينة استثنائية لا تتكرر، نحاول نحن الذين عشنا فيها أن نصدق اتساعها وامتدادها وتفوقها ونحن نراها تكبر وتكبر بلا حدود، نحس فيها نبض المجتمع الأردني الحي.. نبض الناس الذين تآلفوا وجاءوها جنودا وأصحاب مهن وموظفين في سكة الحديد وقوة الحدود وتجار ومعلمين، بعضهم جاءت به قوة الحدود فاستقر وترك قريته واستوطن الزرقاء، والبعض الآخر حملته رياح النكبة من فلسطين إليها، وسرعان ما تشكل المجتمع الجديد في هذه القرية التي بنتها الجماعات الشيشانية المهاجرة عام 1903 م، فتحولت القرية الشيشانية القائمة على السيل المتدفق النظيف، إلى مدينة للعسكر والتجار والموظفين والطلاب.. فمن منا يصدق أن هذه المدينة المتراصة بالناس والبيوت والمدارس والمتاجر عمرها مائة وعشرة أعوام فقط..؟ أنا شخصيا أحس بحنين حقيقي لهذه المدينة التي يعرف فيها الناس بعضهم بعضا بلا تكلف.. أحب أسواقها العامرة والجاذبة، وأظل استذكر الأمسيات الأدبية الزاخرة بالحضور.. وأقر لها بأنها المدينة التي صقلت موهبتي القصصية بامتياز، صحيح أن ذاكرتي تسترجع دموع أمي وملامحها المنقبضة ونحن ندخل المدينة للمرة الأولى مرتحلين من بيتنا في إربد، وهي تقبض بإصرار على نبتة القرنفل التي حملتها من بيتنا في كرم علي النيازي، كنا ننخلع من بيتنا المحاط بحديقة تمتلئ بالنرجس والورد الجوري والياسمين، لنزرع أيامنا في مدينة مغبرة تغص بالناس، بعد أن عمل والدي موظفا في مصفاة البترول، لم تحب أمي هذه المدينة أبدا، في حين أنني وجدتها مدينة أنيسة وبسيطة ومحفزة على الكتابة، صحيح أنها ليست جميلة لكنها طيبة وحنون، يتلاقى فيها الغرباء ويتقاربون وهذا امتيازها، ومن هنا أبدأ.
الزرقاء في التاريخ:
ذكرتها المعاجم وكتب الرحلات، قال عنها ياقوت الحموي في " معجم البلدان "م 3، ص 137 بأنها موضع بالشام وذكر " نهر الزرقاء " وهي أرض شبيب التبعي الحميري، وفيه سباع كثيرة مشهورة بالضراوة، وأنهى تعريفه للمنطقة بذكر مصب نهر الزرقاء في الغور وهو " نهر مسبعة " أي أن المنطقة غابة تحرسها السباع..! كيف لنا أن نصدق ونحن نمر اليوم من أمام " سيل الزرقاء " الملوث الشحيح هذه المعلومة..؟ لقد تحول النهر النظيف إلى واد جاف لا شجر ولا خضرة ولا غابات غلبته غابات الإسمنت وخنقته بلا رحمة، وامتلأت البيوت الإسمنتية بالناس الذين سيغرقون بالضحك لو قلنا لهم أن الزرقاء كانت " أرض مسبعة " تملؤها الغابات والينابيع النظيفة التي تسقي مواكب الحجاج.
قصر شبيب ومواكب الحجاج:
من المعروف أن الزرقاء كانت مرحلة من مراحل الحجاج، حيث يقام فيها عند قصر شبيب سوق الحجاج الموسمي، وقد وردت العديد من الإشارات في كتب الرحلات لقصر شبيب ولسوق الحجاج في الموقع المحيط بالقصر، وبالطبع لم يذكر أي مصدر وجود قرية أو أهالي، وسأختار نصا يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي في العهد العثماني، لرحالة حاج مر بقصر شبيب وسوق الحجاج وشرب من نهر الزرقاء، وهو نص الخياري المدني عام 1080 للهجرة / 1669 م،يقول الخياري بأن قصر شبيب قصر أبيض مرتفع وأن أحد الحجاج أخبره بأن بانيه شيخ من مشايخ العرب ) وهي معلومة مغايرة لما تذكره باقي المصادر التي تنسب القصر لشبيب التبعي أي لأحد ملوك عرب الجنوب من التبابعة الذين عرفوا باتساع التجارة قبل الإسلام، أما الخياري فقد استفاض بوصف السوق المقامة للحجاج حول قصر شبيب يقول: (فإذا سوق قائمة وخيرات متراكمة وعوالم متزاحمة، واردة من دمشق الشام ومما حولها من البلدان والقرى، فمن الشام كل فاكهة به موجودة، فمن النقول التفاح بأنواعه وكذلك الكمثرى و العنب والحبحب (البطيخ) والخوخ ومنه الخراساني والرطب الجبلي والخيار والقثاء، ومن غير الفاكهة البيض بالسلات بحيث تحتوى كل سلة على نحو الخمسمائة بيضة ويباع مسلوقا بألوان من الصبغ..) ووصف الخياري الخبز المباع بسوق قصر شبيب بأنه خمير مخبوز ومدهون بسمن أو بزيت ويباع رخيصا جدا ) والغريب أن الخياري ذكر أن في هذه السوق الموسمية تباع الكباش والغنم والماعز والخيل مع الشعير و التبن، ويباع فيه الدجاج نيئا أو مطبوخا ) وفصل الخياري في مصادر السلع بسوق قصر شبيب بأنها من بلاد عجلون ومن دمشق الشام، غير أن أجمل ما وصفه الخياري هو مياه نهر الزرقاء قرب قصر شبيب فقد قال: (أما ماؤها وما أدراك ما ماؤها، فهو أعذب ماء وأحلاه وأرقه وأصفاه ولا عيب فيه يقال إلا أنه حلو وبارد) واستكمل الخياري وصف جمال المكان عندما بات فيه بقوله: (لقد رأيت الضفاف مكللة بالورد الجوري والنصيبي تكليلا يعجب الرائين ويذهب بحزن الحزين وينعكس على الماء لون ذلك الورد فتخاله مغروسا مثمرا بباطنه..!) لن أعقب على كل ما قرأت في كتب الرحلات التي وصفت مرحلة الزرقاء في طريق الحج، وسأنتقل لقراءة تاريخ الزرقاء الحديث.
1- كان نهر الزرقاء في العهد العثماني موقعا مفتوحا تخيم عليه العشائر البدوية، وقد اعتبرته بعضها من "ديرتها " واستقرت حول بعض مناطقه عشائر من بني حسن والشعلان.
2- ذكرت كتب التاريخ في العهد العثماني أن الحجاج كانوا يتعرضون أحيانا لغزو بعض البدو الذين كانوا يغيرون على قوافل الحجاج وينهبونهم ويقتلونهم، وقد تكررت هذه الحوادث كثيرا بسبب ضعف سطوة الدولة العثمانية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أما مع تأسيس المناطق الإدارية بعد خروج محمد علي باشا من سوريا ومحاولة الدولة فرض سيطرتها، فقد حاولت الدولة حماية الحجاج ومصادر المياه واسترضاء القيادات العشائرية واستغلال الثروات التي تمتلكها بعض القبائل لتزويد القافلة بالجمال والحماية والميرة أيضا.
3- تغيرت أحوال المنطقة مع اتخاذ الدولة العثمانية لقرار إدخال الخط الحديدي إلى أراضيها خدمة للحجاج، والحق أنه يخدم الدولة عسكريا وإداريا ويحكم سيطرتها على أراضيها ويجعل الثوار في قبضة الدرك المحمول والمحمي في العربات، وكانت بداية البناء عام 1900 م وقد وصل الخط إلى الزرقاء عام 1902 م وهذا يعني أن المنطقة أصبحت مأهولة بالمحطة وجوارها من الموظفين الذين سكنوا حول المحطة، وكانت المنطقة مقفرة ومحصورة بمنطقة المحطة.
4 – مع عام 1903 م استقرت في المنطقة المحيطة بقصر شبيب عائلات من مهاجري الشيشان الذين سمحت لهم الدولة بالاستقرار وفوضت لهم الأراضي، وكانوا بقيادة زعيم صوفي أراد أن يسير بهم إلى الحجاز، لكنهم استقروا في هذه المنطقة بعد أن اختبروا مناطق أخرى تتوافر فيها المياه ووجدوا الزرقاء مناسبة، فبنو فيها بيوتا طينية مسقوفة بالقصب النابت على السيل وبنوا الجامع وأحاطوا البيوت بسور طيني وجعلوا له بوابتان واحدة لجلب الماء من السيل والبوابة الثانية للخروج إلى البساتين على السيل التي زرعوها وأجروا فيها المياه وحولوها إلى منطقة منتجة وتمتع المجتمع الجديد بالحماية والكفاية من الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية حيث ذهب بعضهم إلى طبريا وأحضر الجواميس وبدأ إنتاج العربات المخدومة بالعجلات التي سرعت في نقل الماء والمنتوجات وتسويقها.
5 – يبدو أن الشيشان لم يشاركوا الدولة العثمانية بالانخراط في السلك العسكري كما هو حال الشراكسة من مهاجري القفقاس، ولا نجد لهم ذكرا في السجلات العسكرية، وقد انهارت الدولة العثمانية عسكريا بعد استقرار الشيشان وبناء قرية الزرقاء بخمسة عشر عاما، ويبدو أن الشيشان وقفوا إلى جانب مواطنيهم العرب في موقفهم من وحدة سوريا ورفضهم تقسيمها أمام اللجنة الأمريكية الشهيرة لجنة كنغ – كراين، حيث بعثوا محتجين مثلهم في ذلك مثل أهالي سوريا في عهد الحكومة العربية الفيصلية، وساندوا وحدة سوريا وطرحوا تصورهم للمستقبل.
6 – مع تأسيس إمارة الشرق العربي عام 1921 م، أخذت قرية الزرقاء تتطور بشكل لافت، وشهد عام 1927 م نقلة كبيرة غيرت وجه القرية مع تأسيس " قوة الحدود " حيث بدأ معها تحويل القرية إلى حالة جديدة، فظهر فيها المعسكر والخدمات المرافقة له، وتوافد عليها أبناء القرى للعمل في الخدمات واستقروا مع عائلاتهم.حيث أصبحت الزرقاء مقرا لقوة عسكرية مما أكسبها موقعا إداريا جديدا وتم افتتاح شعبة بريد في أيلول عام 1925م وكان مصطفى وهبي التل مديرا في هذا العام لناحية الزرقاء وكانت تتبع الزرقاء قرى الرصيفة والسخنة.
7 –استقطبت القرية العديد من التجار وأصحاب الحرف في مدة زمنية قصيرة، وتم فتح الدكاكين والمخابز ومحلات الجزارين وكان هؤلاء من أهالي فلسطين ودمشق، خدمة للمعسكر ومحطة القطار، فتغير واقع الزرقاء وبدأت تتجه نحو التغير من القرية إلى البلدة.
8 – كان التغير سببا لتوجه الإدارة في إمارة شرقي الأردن نحو تأسيس بلدية للزرقاء، وفي دراسة قمت فيها بدراسة أقدم سجل لبلدية الزرقاء خرجت بما يأتي:
- تأسست دار البلدية في 1 / 12 / 1928 م، ويبدو أن موقع الزرقاء بين قضاء عجلون وقضاء عمان تسبب بعدم استقرار وضعها الإداري ففي مطلع عهد الإمارة سنة 1921 م كانت تتبع لقضاء جرش التابع للواء عجلون، لكن مجلس النظار أتبعها سنة 1924 م لقضاء عمان، وفي عام 1925 م ألغى نظام جديد " حاكمية الزرقاء " لضمان سير الإدارة والاقتصاد في الأموال بسبب عدم وجود أمور إدارية فيها حسب تعبير رئيس النظار، وتم "إيداع وظائف الأمن إلى قائد الدرك " وفي عام 1927 م صدر النظام الجديد للتشكيلات الإدارية وعاد للزرقاء موقعها الإداري وبعده بعام تم تشكيل أول مجلس بلدي فيها.
- عين مجلس النظار بهاء الدين عبدالله وكيلا للرئيس ولكنه اعتبر نفسه رئيسا للمجلس، وكان مقر البلدية في غرفة واحدة، وأعضاء المجلس من الشيشان وهم محمد معصوم ومحمد إلياس وعبد الرشيد سالميرزا وحاج دولت ومحمد جعفر وشاكر حسان أرسلان وحاج حمزة، ويبدو من القرارات التي سجلها الكاتب السيد حكمت أن للجلواز أحمد شوخلبي دورا كبيرا في ضبط قرارات المجلس وتنفيذها بمتابعة النظافة وتقديم التقارير ومتابعة التنويرات بإشعال اللوكسات في البلدة ليلا.
- بعد تأسيس البلدية وفي الاجتماع المؤرخ ب 11 / 12 / 1928 م حدد المجلس البلدي حدود البلدية لكن المجلس فوجئ بعدم مصادقة النظار عليه وتم اقتطاع منطقة المحطة ومعسكر قوة الحدود من حدود البلدية التي كانت: غربا السيل وشرقا وادي سعيدة وجنوبا خربة الحديد وشمالا جبل البتراوي.
- اتسع السوق في العام اللاحق عام 1929 م وبلغ عدد الدكاكين 80 دكانا وهو عدد كبير ولكن قرارات المجلس البلدي تبين أن أهالي الزرقاء لم يكونوا مستقرين دائما، حيث ظهر من تحصيلات الكاتب لرسوم التنظيفات والحراسة على عموم سكان البلدة من المالكين والأغراب والجنود، أن غالبية الأغراب سافروا من القرية وأن الجنود انتقلوا إلى المعسكر، ويلاحظ أن السكان الدائمين هم من الشيشان والوافدين الذين استقروا من أهالي دمشق وغزة وبعض مناطق فلسطين، في حين كان أهالي قرى الأردن من العاملين مع المعسكر أو المرافق الأخرى يعودون إلى قراهم في الصيف والمناسبات.
- من أصحاب الأملاك الذين دفعوا الرسوم للبلدية تذكر أسماء يوسف السمان وشكري بك العموري وفهد كشورة وحمدي الصوفاناتي وسالم عبسه اللحام ويعقوب بربريان المصور ومحمد عزت الترك ومحمد سليم الصفدي وعبد الرحمن أبو شنب ومهدي عبد الباقي وعبد الوهاب البغال ويوسف القدومي ومحمد قدور شومان وجميل تقي الدين ومحمد كمال سراج واسكندر نقولا البنا وجودة قطان وأوهانس بودسيان ومحمد عبدالله آغا وياسين قطان وأحمد عبدالله الطبراني وعبد السلام الطباع وعبد اللطيف التلي ومحي الدين بركات، وقد أوردنا هذه الأسماء للتأكيد على طبيعة الفئات المستقرة من التجار من أهالي الشام وفلسطين وهم أصحاب الأملاك في هذه الفترة.
- يلفت انتباهنا أن الزرقاء تمتعت منذ العشرينيات بخدمة المواصلات الجيدة مع عمان واستطعنا أن نرصد وجود (16) سائق سيارة تخدم سياراتهم حركة الاتصال مع عمان وهم: أحمد مراد ويوسف حكيم وقدري اليوسف وجميل سركيس وتوفيق أبو بكر وعبدالله أبو قوره وخضر حاج قاسم وحمدي البلبيسي وحسني ملحس وحسين المصري ومحمود البلبيسي وياسين حكيم ومحمد الترك وعفيف ميخائيل وعفيف العطعوط وصلاح حسن فؤاد، وهذه ظاهرة على جانب كبير من الأهمية تدل على نشاط هذا المجتمع الجديد الذي لم يمض على تأسيسه غير ربع قرن فقط، دليل حيوية السكان وتطور الإمارة السريع.
- حتى يكون التأريخ للمكان والأهالي يحمل الخصوصية أحب أن أشير إلى أن البلدية اصطدمت بالتجار مرارا عند محاولتها مراقبة الأسعار والتسعير، وخاصة مع أصحاب المخابز الذين أضربوا عن العمل مرتين، عام 1929 م ومنهم الفران ياسين الجليلاتي وجميل تقي الدين فاضطر رئيس البلدية لتدارك الأمر بسبب (اعتصاب الخبازين) حسب تعبير السجل البلدي، وأرسل سائقا مستأجرا إلى عمان وأحضر 48 رطلا من الخبز، كما اعتصب الفرانة مرة أخرى سنة 1930م وجاء الخبز للزرقاء من عمان، وهي سابقة لم تمر من قبل في سجلات المجالس البلدية الأخرى التي اطلعت عليها، ونلاحظ هنا أن كمية الخبز التي استقدمها رئيس البلدية لا تغطي حاجة الأهالي، وأنها لا تدل على تعداد الأهالي.
- ولاستكمال الصورة من الداخل لا بد من إيراد أسعار المواد الغذائية حسبما سجلها السجل البلدي فكان سعر رطل الخبز الأبيض 55 ملا والخبز الأسمر 50 ملا ولحم الخروف الرطل 240 ملا ولحم الماعز ب 210 ملا.
- من الملاحظات التي تلفت الانتباه أنه كان في الزرقاء مقاهي وفيها مغن وهو معروف النصر يغني في المقهى وفيها محل (ألعاب وملاهي) لوافد مصري وفيها (جرامافون وكوانات) كما كان بالزرقاء عام 1929م ست خمارات، وفيما بعد أصبح فيها مسبحا مشهورا تدرب فيه الشباب على السباحة بعد أن كان السيل النظيف والعامر هو مسبح الأهالي، وكان مسبح الزرقاء منتجع أهالي الإمارة، في حين كانت بساتين المشمش واللوز والخوخ وغيرها من الأشجار المثمرة في الرصيفة هي متنزهات الأهالي من كل أنحاء الإمارة.
- كان عدد اللوكسات التي تضيء الزرقاء أربعة وتم شراء خمسة جديدة أي أن العدد تسعة.. فمن يصدق هذا..؟ وكان الجلواز أحمد شوخلبي هو المسئول عن إنارتها وإطفائها. وتم وضع أربعة أعمدة سنة 1929م لوضع اللوكسات عليها..!
- من الأمور التي تابعتها بلدية الزرقاء سنة 1928م بنجاح النظافة..! وكانت بلدية ناجحة تفرض الجزاء على المخالفين.. وهنا لا تعليق.. لا تعليق على ما نراه اليوم من بشاعة إهمال البلدية للنظافة، لقد اقتنعت الآن بضرورة نشر كتابي المخطوط لمقررات مجلس بلدية الزرقاء لأقول بصوت عال للمجالس البلدية في هذه المدينة التي تغرقها حالة من النفايات: هكذا كانت بلديات عهد الإمارة..! وللشهادة فقد سكنت الزرقاء وكانت مدينة نظيفة دائما.
- وختاما فقد وصلت المياه إلى الزرقاء من السيل بالأنابيب في أيلول من عام 1933م وكان ذلك بمساعدة إدارة سكة الحديد وكان نص الاتفاقية يشير إلى أن بلدة الزرقاء تحتاج ما لا يقل عن ستين مترا مكعبا يوميا) ولنا أن نتصور كيف كانت حاجة الناس للماء محدودة وهم على سيل جار.. ولنا أن نتصور علاقتنا اليوم بالماء ونحن أفقر أهل الأرض ماء، ولنا أن نتصور أن بركة سباحة واحدة تستهلك هذا الكم.. ولا تعليق.
وختاما، هذه هي بدايات الزرقاء القرية الشيشانية التي تأسست عام 1903م والتي وصفها المهاجر الأردني خليل سماوي سنة 1922م بأنها قرية أشباح هادئة جدا عندما دخلها مع حلول الليل وظنها مسحورة..! لكنه بعد ست سنوات عاد إليها ووصف بساتينها الغناء ومياهها وأطيارها وكأنها الجنة، فمن نصدق..؟ لا يهم فالزرقاء مستودع الخير والعلاقات الحميمة والناس الذين يعرفون بعضهم ويتسامرون على الأرصفة.. الزرقاء نسيج وحدها ولهذا أحبها فالعديد من شخصيات قصصي قابلتهم هناك.. إنها مدينة عجيبة لا شبيه لها .