مصر بين الثورة والحرب الأهلية
لميس أندوني
جو 24 : التحول التدريجي، والمتسارع في مصر الى العنف، من شتى الأطراف، ينذر إما بحرب أهلية، أو انقلاب عسكري نتمنى تجنب سفك الدماء، والحفاظ على سلمية الاختلاف والخلاف، وإن كان يبدو فوات الأوان.
فالمواجهة هي ليست مصرية – مصرية، بل بين توجهين في العالم العربي، وحتى الاسلامي؛ التوجه بين مشروع الدولة المدنية، التي تحترم الدين، لكن دون أسلمة الدولة، ومشروع أسلمة الدولة والمجتمع، وفقاً للمفهوم الإسلام السياسي والتزمت الديني.
لكن الخطوط ليست بهذا الوضوح كما نَدَعي؛ ففي مصر، تقاطعت الخطوط بين التيارات التقدمية الثورية، ومفاهيم العدالة الاجتماعية والحريات، مع قوى استبدادية، لا تؤمن لا بعدالة اجتماعية ولا سياسية و لا تحرر وطني.
ميدان التحرير لن يكون ملك الثوار وحدهم، مع انهم سيشكلون الاغلبية الساحقة بل سيكون هناك أنصار النظام السابق، ومعظمهم يعادون الاخوان المسلمين واليسار والقوميين في وقت واحد.
عدا أن هناك قوى، من داخل الثورة وخارجها تفضل تدخل الجيش، على استمرار حكم الرئيس محمد مرسي: إما لأنها ترى في حكم العسكر مرحلة انتقالية تمهيداً لمراجعة الدستور الخلافي، والبعض الآخر يريد العودة الى مرحلة ما قبل الثورة، أي إجهاض الثورة.
لا شك أن الكثيرين لم يقبلوا بنتائج صندوق الاقتراع، لمخاوفهم من حكم الإخوان بشقيه السياسي والاجتماعي وفرض رؤية دينية معينة على الحياة الاجتماعية في مصر، وتأثير ذلك على بقية المجتمعات، وأن تستغل التيارات الدينية الانتخابات، لتثبيت استئثارها بالسلطة وديمومتها.
البعض إن كان تحت تأثير هواجس الاسلاموفبيا، وتصريحات الاسلاميين إخوان وسلفيين، لم يقبل بنتائج الانتخابات، أو إعطاء الرئيس مرسي فرصة، وود لو اختفى الاخوان من مصر كلها.
لكن الرئيس مرسي، والإخوان من خلفه، نجح في تأكيد معظم الشكوك، و بخسارة من كانوا ينادون باحترام "الصندوق"، ومنحهم الفرصة، خاصة الذين صوتوا في المرحلة الثانية لمرسي ليس فقط لاستبعاد أحمد شفيق، بل لأنهم تأملوا بأن العملية الديمقراطية ستكون فرصة لاستمرار التغيير من خلال الحوار والمشاركة والتأثير على صنع مستقبل مصر.
فسياسياً، بدت معظم قرارات مرسي استمراراً لتبعية النظام السابق، إن كانت الخليجية والأمريكية، واقتصادياً لم يكن هناك اختلاف في تبني اللبرلة غير المنضبطة على حساب العدالة الاجتماعية، كما تتابعت الدعاوى والفتاوى المتزمتة التي تهدف الى خنق الحريات الشخصية والحياة الاجتماعية.
صياغة و إقرار الدستور شكلا مفصلاً، كسب مرسي فيه جولة وخسر الحرب؛ اذ انه أعتقد ان نتيجة الاستفتاء لصالح الدستور هي انتصار مبين وتعامل على أساسه بعنجهية واستصغار للجانب "الآخر".
وضع الدستور، يجب أن يكون نتيجة عملية توافق والأفضل إجماع بهدف إرساء قواعد دولة القانون والمساواة والمساءلة وصيانة الحقوق، من سياسية واجتماعية واقتصادية، لكن تم تجاهل النقد الهام لبعض النصوص، واعتمد مرسي على تحالف اخواني- سلفي، كبديل للإجماع، وبذا تم ترسيخ خطوط الفصل بدلا من الجمع.
تأييد الدستور، جاء من كوادر وأنصار الإخوان والسلفيين، ومن جموع، كانت تحاول تجنب المواجهة راغبة في التقاط النفس، تتأمل أن يركز الرئيس بعد "ضجة الدستور" على تحسين فرصها في تأمين "لقمة العيش" واستتباب الأمان في شوارع مصر.
لكن الإخوان والسلفيين، لديهم أو لدى بعضهم نوع من "الهوس" في مسائل تضييق فسحة الحياة الثقافية والاجتماعية، التي عمقت ووسّعت أجواء السخط؛ فيما كان الأولى التركيز على البدء بحلّ المأزق الاقتصادي، ورعاية مصالح الفئات العاملة والشعبية.
لا يعني ذلك أن المعارضة لا تتحمل جزءا من المسؤولية، خاصة بعد أن دخل على خطها بعض من قوى الثورة المضادة، وبعد أن انتشرت مظاهر لجوء أفراد وجماعات الى العنف غير المبرر، والى الخلط في ذهن المتلقي بين إعلام "فول النظام السابق" وإعلام تقدمي، الذي يرفض حكم الإخوان، وإن كان هذا يحتاج الى موضوع منفصل.
النتيجة، كانت تعميق الانقسام العمودي في المجتمع، والوصول الى نقطة التدهور الى الاحتراب الأهلي أو حكم الجيش، أو الاثنين معاً، لكن نرفض إلا ان نتأمل أن يكون الجامع الأكبر لمعتصمي 30 يونيو، شعار الثورة الأصلي؛ "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".
l.andony@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)
فالمواجهة هي ليست مصرية – مصرية، بل بين توجهين في العالم العربي، وحتى الاسلامي؛ التوجه بين مشروع الدولة المدنية، التي تحترم الدين، لكن دون أسلمة الدولة، ومشروع أسلمة الدولة والمجتمع، وفقاً للمفهوم الإسلام السياسي والتزمت الديني.
لكن الخطوط ليست بهذا الوضوح كما نَدَعي؛ ففي مصر، تقاطعت الخطوط بين التيارات التقدمية الثورية، ومفاهيم العدالة الاجتماعية والحريات، مع قوى استبدادية، لا تؤمن لا بعدالة اجتماعية ولا سياسية و لا تحرر وطني.
ميدان التحرير لن يكون ملك الثوار وحدهم، مع انهم سيشكلون الاغلبية الساحقة بل سيكون هناك أنصار النظام السابق، ومعظمهم يعادون الاخوان المسلمين واليسار والقوميين في وقت واحد.
عدا أن هناك قوى، من داخل الثورة وخارجها تفضل تدخل الجيش، على استمرار حكم الرئيس محمد مرسي: إما لأنها ترى في حكم العسكر مرحلة انتقالية تمهيداً لمراجعة الدستور الخلافي، والبعض الآخر يريد العودة الى مرحلة ما قبل الثورة، أي إجهاض الثورة.
لا شك أن الكثيرين لم يقبلوا بنتائج صندوق الاقتراع، لمخاوفهم من حكم الإخوان بشقيه السياسي والاجتماعي وفرض رؤية دينية معينة على الحياة الاجتماعية في مصر، وتأثير ذلك على بقية المجتمعات، وأن تستغل التيارات الدينية الانتخابات، لتثبيت استئثارها بالسلطة وديمومتها.
البعض إن كان تحت تأثير هواجس الاسلاموفبيا، وتصريحات الاسلاميين إخوان وسلفيين، لم يقبل بنتائج الانتخابات، أو إعطاء الرئيس مرسي فرصة، وود لو اختفى الاخوان من مصر كلها.
لكن الرئيس مرسي، والإخوان من خلفه، نجح في تأكيد معظم الشكوك، و بخسارة من كانوا ينادون باحترام "الصندوق"، ومنحهم الفرصة، خاصة الذين صوتوا في المرحلة الثانية لمرسي ليس فقط لاستبعاد أحمد شفيق، بل لأنهم تأملوا بأن العملية الديمقراطية ستكون فرصة لاستمرار التغيير من خلال الحوار والمشاركة والتأثير على صنع مستقبل مصر.
فسياسياً، بدت معظم قرارات مرسي استمراراً لتبعية النظام السابق، إن كانت الخليجية والأمريكية، واقتصادياً لم يكن هناك اختلاف في تبني اللبرلة غير المنضبطة على حساب العدالة الاجتماعية، كما تتابعت الدعاوى والفتاوى المتزمتة التي تهدف الى خنق الحريات الشخصية والحياة الاجتماعية.
صياغة و إقرار الدستور شكلا مفصلاً، كسب مرسي فيه جولة وخسر الحرب؛ اذ انه أعتقد ان نتيجة الاستفتاء لصالح الدستور هي انتصار مبين وتعامل على أساسه بعنجهية واستصغار للجانب "الآخر".
وضع الدستور، يجب أن يكون نتيجة عملية توافق والأفضل إجماع بهدف إرساء قواعد دولة القانون والمساواة والمساءلة وصيانة الحقوق، من سياسية واجتماعية واقتصادية، لكن تم تجاهل النقد الهام لبعض النصوص، واعتمد مرسي على تحالف اخواني- سلفي، كبديل للإجماع، وبذا تم ترسيخ خطوط الفصل بدلا من الجمع.
تأييد الدستور، جاء من كوادر وأنصار الإخوان والسلفيين، ومن جموع، كانت تحاول تجنب المواجهة راغبة في التقاط النفس، تتأمل أن يركز الرئيس بعد "ضجة الدستور" على تحسين فرصها في تأمين "لقمة العيش" واستتباب الأمان في شوارع مصر.
لكن الإخوان والسلفيين، لديهم أو لدى بعضهم نوع من "الهوس" في مسائل تضييق فسحة الحياة الثقافية والاجتماعية، التي عمقت ووسّعت أجواء السخط؛ فيما كان الأولى التركيز على البدء بحلّ المأزق الاقتصادي، ورعاية مصالح الفئات العاملة والشعبية.
لا يعني ذلك أن المعارضة لا تتحمل جزءا من المسؤولية، خاصة بعد أن دخل على خطها بعض من قوى الثورة المضادة، وبعد أن انتشرت مظاهر لجوء أفراد وجماعات الى العنف غير المبرر، والى الخلط في ذهن المتلقي بين إعلام "فول النظام السابق" وإعلام تقدمي، الذي يرفض حكم الإخوان، وإن كان هذا يحتاج الى موضوع منفصل.
النتيجة، كانت تعميق الانقسام العمودي في المجتمع، والوصول الى نقطة التدهور الى الاحتراب الأهلي أو حكم الجيش، أو الاثنين معاً، لكن نرفض إلا ان نتأمل أن يكون الجامع الأكبر لمعتصمي 30 يونيو، شعار الثورة الأصلي؛ "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".
l.andony@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)