القوّة الناعمة الامريكية وتصدير النموذج
مروان محمد صالح سمور
جو 24 :
يعرِّف عالِم السياسة الأمريكيّ "جوزيف ناي" القوّة الناعمة بأنّها «القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبيّة أو السحر أو الإقناع بدل الإرغام أو الإغراء بالأموال».
وان مَوارِد القوّة الناعمة لأيّ بلد هى ثقافته وقيمه السياسيّة ، فضلا عن السياسة الخارجيّة. وتنوع استخدامها، من وسائل الضغط الاقتصادي والدبلوماسي والنفسي . وايضا هناك أساليب
الإغراء والجاذبية، من الفنون على اختلافها، بما فيها الأدب والمسرح والسينما .ولا نغفل ان اساس القوة الناعمة الامريكية هو : السياسات الديمقراطية الليبرالية، واقتصاديات السوق
الحرة، والقيم الأساسية مثل حقوق الإنسان وغيرها .
وفي ضوء قراءتنا للقوة الناعمة الامريكية لا بد لنا من ان نتعرف على : ادواتها الناعمة التي تغذي هذه القوة بصورتها الكلية ، والتي تصب بالنهاية في خدمة السياسة الكلية للمصالح
الامريكية وسيطرتها على العالم ، وهذه الادوات هي على النحو التالي :
السياسة الخارجية : ان اتباع امريكا سياسة خارجية مصممة بشكل جيد , سيدفع الدول الأخرى إلى أن تحذو حذوها . إضافة إلى المساعدات الاقتصادية للدول الأجنبية والتي لها اهداف
تحقق بها امريكا مصالحها وبمقابل وليست بالمجان .
الدبلوماسية العامة : فمن خلالها تسعى امريكا الى النفاذ إلى قلوب وعقول ونفوس الناس، والتأثير على الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة.وذلك من خلال المنح الدراسية، واتفاقيات
التبادل، والبرامج التدريبية، والحلقات الدراسية ، والمؤتمرات، والوصول إلى القنوات الإعلامية.
النفوذ السياسي : من يقول بأن نفوذ امريكا الكبير يرجع لقوتها العسكرية ، ليس دقيقا تماما . فمن غير المعقول ان تغزو امريكا كل دولة لا تتبع سياساتها أو تتمرد عليها، ولكن لديها
ادوات قوة اخرى تستخدمها وتحقق به اهدافها باستخدام نفوذها السياسي العالمي .
التحكم بمؤسسات التمويل العالمية : وهذه المؤسسات بالطبع (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) والاثنان يشكلان مفتاح السيطرة على السياسة الاقتصادية العالمية ، وهذه المؤسسات
تتحكم فيهما امريكا بطريقة او باخرى .
التحكم بمؤسسات صنع القرار السياسي في العالم : امريكا هي أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن ، وهى أهم عضو مؤسس فى حلف شمال الأطلسي «الناتو» .
السيطرة على الدولار : إن وجود الدولار كعملة العالم التجارية الرسمية ، وعملة الاحتياطي العالمي لمعظم دول العالم يعطي امريكا كثيرًا من الزخم والنفوذ كمرجعية اقتصادية أساسية
ووحيدة . ووفق الاحصائيات فان حصة الدولار من الاحتياطات العالمية في يونيو عام 2020 قد بلغت 61.9 % .
النجاح الاقتصادي والتكنولوجي : تتميز الولايات المتحدة باقتصادها القوي ، وإضافة لذلك فهي تهيمن تجارياً على المجالات الاقتصادية الرئيسية في العالم ، من التكنولوجيا والسلاح
والدواء والغذاء والنقل والطاقة .
العلامات التجارية الامريكية القوية : لا نستطيع ان نغفل قوة العلامات التجارية الامريكية المنتشرة في شتى أنحاء العالم مثل : أبل ومايكروسوفت وفيسبوك وبوينج وكوكاكولا وجوجل
والعديد من العلامات الاخرى ، والتي تدعم انتشار النموذج الامريكي على مستوى العالم . والتي اضحت عنصرا مساعدا على تزايد جاذبية امريكا في العالم .
صناعة الاعلام : تمتلك الولايات المتحدة اعلاما مسيطرا حول العالم ، سواء كان إعلامًا مرئيًّا أو إعلامًا مقروءًا .
فهي تمتلك القنوات الإعلامية الامريكية المشهورة مثل : (سي ان ان ، سي بي اس ، فوكس نيوز ، سي ان بي سي ، ان بي سي . اي بي سي ) ، ووكالات انباء مثل (وكالة أسوشيتد
برس ، بلومبيرغ ) .وإعلام مقروء كالواشنطن بوست والنيويورك تايمز .
صناعة السينما والترفيه : ان صناعة السينما التي تسيرها "هوليوود" وشركاتها مثل (وارنر برذر - ديزني لاند - بارامونت - ام جي ام - يونيفيرسال - سينشيري فوكس القرن 20 ) .
وسيطرتها بشكل كاسح على صناعة الافلام والمسلسلات في السوق العالمي .واصبح ممثلي سينما هوليوود لرموز للعالم باسره . واصبح الشباب يقلدوهم في كل شئ .
بالاضافة لشركة "ديزني لاند" وما تقدمه من نموذج وصناعة للترفيه للاطفال والعائلة والشباب .
وايضا اغاني (البوب ) التي يطرب اكثر شباب العالم على سماعها . وتحول مطربي البوب هؤلاء الى ايقونات في العالم اجمع .
- المؤسسات التعليمية الامريكية : حيث تعتبر الجامعات والمؤسسات التعليمية الامريكية من ارقى المؤسسات التعليمية في العالم ، وتصنف كأكثر الدول أستقطابا للطلاب الدوليين في
العالم . فهي تمتلك متوسط من 28- 30 جامعة من ضمن أفضل مائة جامعة في أغلب التصنيفات العالمية، وتمتلك ست جامعات من أفضل عشر جامعات في العالم .
- مراكز الابحاث والدراسات الامريكية : وايضا لا نستطيع ان نغفل دور مراكز الابحاث في التاثيرعلى صناعة القرار الامريكي ، واعادة تشكيل السياسات لدى مراكز النفوذ في
امريكا ،حيث لها مركز في معظم دول العالم ، وتقدم دراساتها التفصيلية وخلاصاتها لصانع القرار الامريكي ،
ومن هذه المراكز( مؤسسة راند ، ومعهد بروكنز.ومعهد كارنيجي للسلام ومركز بايو للابحاث ومجلس العلاقات الخارجية ) ، حيث يقدر عدد جميع هذه المراكز 1183 مركز أبحاث .
تصدير الثقافة والنموذج الامريكي : تمتلك امريكا نفوذاً وتأثيراً في عالمنا الراهن مستفيدة من شيوع اللغة الإنكليزية، سواء في لغة التخاطب اليومي، أم لغة التجارة والأعمال، وهناك
اليوم مئات الملايين من البشر يأكلون ويلبسون على الطراز الأمريكي، ويستمعون الأغاني الأمريكية ويشاهدون الأفلام الأمريكية. ويتكلمون الإنكليزية باعتبارها لغة التقنيات والأعمال .
ثقافة الطعام والشراب الامريكي : ممثلة بانتشار المطاعم الامريكية مثل (ماكدونالدز - برجر كنج - دجاج كنتاكي ) وايضا مقاهي المشروبات مثل ( ستاربكس ) .
وعلى الجانب الاخر نلاحظ بأن تأثير هذه القوة الناعمة بدأ يتقلص منذ إدارة "جورج بوش الابن" ، فقد أدت السياسات التي انتهجتها امريكا عقب "هجمات 11 سبتمبر"، واعتمادها
بشكل أساسي على القوة الصلبة ، واعلانها "الحرب على الإرهاب" وما رافقها من تجاوزات متعارضة بشكل مباشر مع القيم التقليدية الأمريكية الخاصة بالحرية وحقوق الإنسان وسيادة
القانون .