jo24_banner
jo24_banner

بين مناعة القطيع والإغلاق الشامل.. ماذا فعلت الحكومة لصياغة البديل؟

بين مناعة القطيع والإغلاق الشامل.. ماذا فعلت الحكومة لصياغة البديل؟
جو 24 :
 محرر الشؤون المحلية - التخبط لايزال حاضرا في العقلية التي تحكم منطق التفكير الحكومي في التعامل مع تداعيات جائحة الكورونا. يتجلى هذا في التناقضات التي برزت خلال كلمة رئيس الوزراء، د. عمر الرزاز، مساء الأحد، وعودته الدائمة إلى استخدام لغة التهديد والوعيد، والتلويح بالحظر والإغلاق الشامل.

بين الاستسلام لفكرة مناعة القطيع، والتطرف إلى المطالبة بالعودة للإغلاق الشامل، على حكومة الرزاز أن تدرك وجود خيار ثالث، يحقق التوازن المطلوب للحفاظ على الأمن الصحي، دون أن يكون لذلك كلفة اقتصادية يعجز الأردن عن تحملها.

أي سيناريو محتمل للتعامل مع الأزمة، ستكون له آثاره وكلفه وارتداداته، التي على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها، ما يستوجب دراسة أي قرار بعناية، قبل التسرع باتخاذه.

قبل أي شيء على حكومة الرزاز أن تسأل نفسها، هل هي مستعدة لسيناريو الحظر الشامل، وقادرة على تحمل مسؤولية إغلاق القطاعات الإنتاجية والخدمية مجددا، وتأمين احتياجات المواطنين الأساسية؟

وفيما يتعلق بسيناريو التكيف مع الوباء، ماذا فعلت الحكومة لجعل هذه الإمكانية محتملة، في ظل تزايد حالات الإصابة بالفيروس، خاصة وأن الأردن لا يحتمل على الإطلاق فكرة "مناعة القطيع"؟!

القرارات لها تداعياتها، وأي قرار تريد الحكومة اتخاذه عليها أن تكون قادرة فعلا على تحمل ما سيترتب عليه من ارتدادات.. التفكير المستمر بالحظر الشامل يعني ببساطة نزعة مراهقة لإعلان حرب شاملة ضد الذات.. فهل هذا هو الحل؟!

كلمة الرزاز تتلخص في أن أمامنا مساران.. إما العودة إلى الحظر والاغلاقات، أو التكيّف مع الوباء.

الرجل أوضح أن المقصود بالتكيف مع الوباء لا علاقة له بفكرة مناعة القطيع، ما يعني أن الحكومة جادة في إيجاد الصيغة الأمثل للتعامل مع الأزمة، ولكن هل فعلا قامت بتطوير أدواتها بما يكفي للتمكن من تحقيق هذه الرغبة؟

الأردن لم يصل إلى مرحلة التفشي المجتمعي للوباء، حيث أن بؤر انتشار المرض معروفة، وتمكن السيطرة عليها بسهولة، عبر تشديد إجراءات العزل، ومضاعفة إمكانيات فرق التقصي الوبائي.

ولكن التقصير الذي شاب إجراءات عزل بعض المناطق، رغم كونها بؤرا للمرض، كان أحد أسباب زيادة أعداد الإصابات في الآونة الأخيرة، وعلى الحكومة التحلي بالشجاعة الكافية للإقرار بهذا.

عند حصر بؤرة معينة، تهدد بانتشار المرض، يفترض عزلها تماما، عبر تكثيف الدوريات الأمنية، وليس أن يقتصر العزل على منع حركة المركبات، والسماح للمواطنين بالخروج سيرا على الأقدام، كما حصل في بعض المناطق، أو ترك الشوارع الفرعية دون رقابة، كما حصل في مناطق أخرى.

وفيما يتعلق بالفحوصات التي تجريها فرق التقصي الوبائي، فإن كثيرا من الرسميين كانوا قد أكدوا عبر تصريحاتهم الإعلامية إمكانية مضاعفة هذه الفحوصات، وزيادة أعداد العاملين في فرق التقصي، فلماذا لم يتحقق ذلك حتى الآن؟!

بعض الحالات التي ظهرت عليها الإصابة بفيروس كورونا، ولجأت إلى إجراء الفحص، طلب منها الانتظار لعدة أيام، حتى يأتي دورها.. هل يعقل فعلا الحديث عن مكافحة الجائحة في ظل ترك الحالات المشتبهة تتجول لأيام قبل فحصها؟!

اليوم، توفيت سيدة سبعينية كانت قد ظهرت عليها أعراض الكورونا قبل يومين، غير أن نتيجة الفحص لم تظهر إلا بعد وفاتها.. هذا مؤشر خطير يؤكد ضرورة زيادة أعداد الكوادر الصحية، ومضاعفة الإمكانيات بأسرع وقت، للتمكن فعلا من الحيلولة دون حدوث تفشي مجتمعي للمرض.

كما أن رئيس الوزراء، د. عمر الرزاز، استهوته على ما يبدو لغة التهديد والوعيد، التي باتت تفرض نفسها في كل خطاباته وإطلالاته الإعلامية من بدء العمل بقانون الدفاع.

الرئيس حاول اليوم الإطلال بلغة منطقية إلى حد ما، وبذل بعض الجهد للحفاظ على توازن مفرداته، والتقرب إلى الرأي العام، عبر تأكيده رفض فكرة مناعة القطيع، ومبدأ البقاء للأقوى، جملة وتفصيلا، منوها بشعار: "الإنسان أغلى ما نملك".

كلام منمق جميل، ما لبث أن سئم منه قائله، حيث ترك نفسه مجددا لذات اللغة الاستعلائية، التي لا يستطيع التخلص منها، كما هو واضح.

قبل أن يستوعب المشاهد "حنية" الرئيس، أعاده الأخير إلى ذات الموقف المعتاد من حكومة "النخبة"، التي يتصرف رئيسها على أنه "عريف صف" يتوعد "المشاغبين".

الرزاز نسف مقدمته الجميلة عبر إصراره على تهديد الناس بالعودة إلى الحظر الشامل، رغم اعترافه في ذات الخطاب بعبثية هذا الحل.. فهل هو تهديد من أجل التهديد فحسب؟!

من الطبيعي أن يناشد رئيس الوزراء المواطنين الالتزام بشروط الصحة والسلامة العامة، ولكن المستهجن أن يقول ما معناه باختصار: إما الالتزام المطلق، أو العودة إلى الحظر الشامل!

"الالتزام الصادق بإجراءات الوقاية سيمكننا من الاستمرار في أسلوب التكيف والانفتاح، وعدم الالتزام يعني انتكاسة صحية ستقودنا وبكل أسف للعودة للإغلاقات".. هذا ما قاله الرجل حرفيا، فماذا يعني بمصطلح "الالتزام الصادق"؟

الرئيس يطالب بنسبة التزام لا تقل عن 95٪ بالمئة من المواطنين، تحت طائلة العودة للإغلاقات، مصرحا بأن "عدم التزام 5 بالمئة من المجتمع كفيل بالتسبب بانتكاسة مؤلمة".

خلال الحرب العالمية الثانية، عندما بدأ مبتكر النازية، أدولف هتلر، بغزو الاتحاد السوفياتي، لمقارعة البيروقراطية العسكريتارية التي ابتدعها جوزيف ستالين، لم يبلغ الالتزام المطلق في كلا الجيشين نسبة ال 95٪ التي يطالب بها الرزاز.. هذه النسبة يمكن تحقيقها عند ابتكار مجتمع "الروبورت" الذي يمكن التحكم به عبر الخوارزميات وبيانات النظام الرياضي الثنائي، أما بالنسبة للمجتمعات البشرية فالأمر أعقد بكثير.

تهديد الرزاز بالعودة إلى الحظر والإغلاقات عند كل محطة لا معنى له على الإطلاق، خاصة وأن هذه الحكومة فشلت ولاتزال تمارس الفشل المستمر في التعامل مع تداعيات الجائحة الاقتصادية، فكيف ستكون قادرة على تحمل تبعات العودة إلى الإغلاق التام؟!



 
تابعو الأردن 24 على google news