إسقاط الإخوان لا يبرر استبداد الأنظمة
لميس أندوني
جو 24 : نخشى أن فرحة أركان النظام بعزل الرئيس محمد مرسي، تعني تعلمهم دروسا خطأ، من اعتبار التطورات المصرية فرصة تاريخية لضرب وعزل الإخوان المسلمين، وتصعيد القمع والتهميش لكل القوى السياسية والأصوات المعارضة.
هناك ارتياح رسمي لسقوط معادلة التفاهم الأمريكي –الإخواني، وخطر قبول واشنطن بتوريث الإسلام السياسي الحكم في بلاد قبل وما بعد الثورات: لكنه ارتياح ليس ناجماً عن رؤية تقدمية تحررية، بل من منافسة على دور وظيفي عوضا عن بناء أوطان قوية ومستقلة.
نتمنى أن تتحلى الحكومة بالحكمة، وإن كان التفاؤل صعبا جداً؛ فالتحشيد والإقصاء سيؤديان إلى تعميق انقسام مجتمعي عمودي يمنع التوافق الوطني، وربما هذا بالضبط ما تريده العقول المخططة، المحكومة بقصر النظر وغياب البصيرة. ذلك يعني الدفع بالتيارات الإسلامية المتشددة إلى مواقع أكثر تطرفاً، ورفض قواعد الإخوان بين الشباب خصوصاً، الانخراط ، في العملية السياسية، واللجوء إلى العنف يهدد بالدخول في دوامة تدميرية. نرفض الارتهان إلى تهديد وابتزاز أية مجموعات مسلحة، لكن نرفض أيضاً إقصاء هذا الطرف أو ذاك؛ بل المطلوب تحقيق توافق وطني على معايير العملية السياسية والاستراتيجية الاقتصادية الاجتماعية.
لكن عقلية المسؤولين لا تفكر عادة خارج ثنائية "الحكم والإخوان"؛ حتى عندما تفتح حواراً مع المعارضة، تكون الأولوية تشكيل تحالفات ضد الإخوان، وليس للوصول إلى برنامج وطني للتغيير، وإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية لا تزيد الناس فقراً وعوزاً. الحرب على الإخوان لا تخرجنا من الأزمة السياسية، ولا تحل الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، بل تزيدها تعقيداً؛ أما العقلية الأمنية فلا تزيد الشارع إلا احتقانا، وقاعدة الإخوان الشعبية إلا تطرفاً، والمجتمع إلا انقساماً.
على الإخوان مراجعة أنفسهم أيضاَ: فقد رأينا استقواءهم بصعود الإسلاميين على الحكم في دول عربية، وتاريخياً حاولوا الحفاظ على ثنائية "الحكم والإخوان"، كأن التيارات السياسية وحتى الفئات المجتمعية غير موجودة، سواء في سنوات تواطئهم مع النظام ضد المد القومي واليساري، أو في سنوات تصادمهم السياسي مع الحكومات.
لكن في الوقت نفسه، فإن صناع القرار الأردنيين أيضا بنوا الكثير من سياساتهم الداخلية، وبعض السياسات الخارجة بناء على توافقهم المرحلي أو سعيهم لإقصاء وتهميش الإخوان، أو على الأقل كان هذا الهدف أولوية دائمة، خاصة في وضع القوانين والنظم الانتخابية.
فتاريخ قانون الانتخابات، خاصة منذ عام 1993، بدءاً من نظام الصوت الواحد إلى التعديلات الأخيرة، كان يسعى إلى تقليص تمثيل الإخوان والمعارضة بشكل عام، فيما رفض صناع القرار نظاما يعتمد التمثيل النسبي، الذي يكسر ثنائية " الحكم و الإخوان" من دون إقصائهم أو أي من التيارات سواء المعارضة أو الموالية.
قيادة الإخوان أيضا رفضت التمثيل النسبي، لكنها غيرت رأيها جزئيا فيما بعد مطالبة بتعديلات لضمان عدد مقاعد أكثر، بدلاً من نظام يعكس قوتها الحقيقية من دون زيادة أو نقصان.
فالحكم والإخوان كان لهما مصلحة في الإبقاء على ثنائية سيطرتهم على المشهد السياسي: فالمسؤولون لا يريدون مواجهة استحقاقات التغيير، ويستعيضون عنها باللجوء إلى تجييش الرأي العام بين موال ومعارض، فيما تُمَكِن المعادلة الإخوان من احتكار الساحة والإمساك بكل أوراق اللعبة وفقا لأهدافهم.
لكن يجب أن لا تكون "العداوة للإخوان" منطلق السياسات الرسمية أو مواقف بعض التيارات المناوئة لهم؛ فقد رأينا قبولاً بل وتأييداً لاعتقال أربعة حراكيين إسلاميين وتحويلهم إلى محكمة أمن الدولة، بما في ذلك من مخالفة للدستور، لمجرد كونهم من الإخوان.
فمفهوم العدالة لا يتجزأ وفقا لرغباتنا: ومن المهم التذكير بأنه لو سقط الإخوان بناء على فشل أوانقلاب أو ثورة، لا يعني ذلك انتصاراً لأي أنظمة وحكومات تقمع أو تهمش شعوبها.
l.andony@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)
هناك ارتياح رسمي لسقوط معادلة التفاهم الأمريكي –الإخواني، وخطر قبول واشنطن بتوريث الإسلام السياسي الحكم في بلاد قبل وما بعد الثورات: لكنه ارتياح ليس ناجماً عن رؤية تقدمية تحررية، بل من منافسة على دور وظيفي عوضا عن بناء أوطان قوية ومستقلة.
نتمنى أن تتحلى الحكومة بالحكمة، وإن كان التفاؤل صعبا جداً؛ فالتحشيد والإقصاء سيؤديان إلى تعميق انقسام مجتمعي عمودي يمنع التوافق الوطني، وربما هذا بالضبط ما تريده العقول المخططة، المحكومة بقصر النظر وغياب البصيرة. ذلك يعني الدفع بالتيارات الإسلامية المتشددة إلى مواقع أكثر تطرفاً، ورفض قواعد الإخوان بين الشباب خصوصاً، الانخراط ، في العملية السياسية، واللجوء إلى العنف يهدد بالدخول في دوامة تدميرية. نرفض الارتهان إلى تهديد وابتزاز أية مجموعات مسلحة، لكن نرفض أيضاً إقصاء هذا الطرف أو ذاك؛ بل المطلوب تحقيق توافق وطني على معايير العملية السياسية والاستراتيجية الاقتصادية الاجتماعية.
لكن عقلية المسؤولين لا تفكر عادة خارج ثنائية "الحكم والإخوان"؛ حتى عندما تفتح حواراً مع المعارضة، تكون الأولوية تشكيل تحالفات ضد الإخوان، وليس للوصول إلى برنامج وطني للتغيير، وإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية لا تزيد الناس فقراً وعوزاً. الحرب على الإخوان لا تخرجنا من الأزمة السياسية، ولا تحل الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، بل تزيدها تعقيداً؛ أما العقلية الأمنية فلا تزيد الشارع إلا احتقانا، وقاعدة الإخوان الشعبية إلا تطرفاً، والمجتمع إلا انقساماً.
على الإخوان مراجعة أنفسهم أيضاَ: فقد رأينا استقواءهم بصعود الإسلاميين على الحكم في دول عربية، وتاريخياً حاولوا الحفاظ على ثنائية "الحكم والإخوان"، كأن التيارات السياسية وحتى الفئات المجتمعية غير موجودة، سواء في سنوات تواطئهم مع النظام ضد المد القومي واليساري، أو في سنوات تصادمهم السياسي مع الحكومات.
لكن في الوقت نفسه، فإن صناع القرار الأردنيين أيضا بنوا الكثير من سياساتهم الداخلية، وبعض السياسات الخارجة بناء على توافقهم المرحلي أو سعيهم لإقصاء وتهميش الإخوان، أو على الأقل كان هذا الهدف أولوية دائمة، خاصة في وضع القوانين والنظم الانتخابية.
فتاريخ قانون الانتخابات، خاصة منذ عام 1993، بدءاً من نظام الصوت الواحد إلى التعديلات الأخيرة، كان يسعى إلى تقليص تمثيل الإخوان والمعارضة بشكل عام، فيما رفض صناع القرار نظاما يعتمد التمثيل النسبي، الذي يكسر ثنائية " الحكم و الإخوان" من دون إقصائهم أو أي من التيارات سواء المعارضة أو الموالية.
قيادة الإخوان أيضا رفضت التمثيل النسبي، لكنها غيرت رأيها جزئيا فيما بعد مطالبة بتعديلات لضمان عدد مقاعد أكثر، بدلاً من نظام يعكس قوتها الحقيقية من دون زيادة أو نقصان.
فالحكم والإخوان كان لهما مصلحة في الإبقاء على ثنائية سيطرتهم على المشهد السياسي: فالمسؤولون لا يريدون مواجهة استحقاقات التغيير، ويستعيضون عنها باللجوء إلى تجييش الرأي العام بين موال ومعارض، فيما تُمَكِن المعادلة الإخوان من احتكار الساحة والإمساك بكل أوراق اللعبة وفقا لأهدافهم.
لكن يجب أن لا تكون "العداوة للإخوان" منطلق السياسات الرسمية أو مواقف بعض التيارات المناوئة لهم؛ فقد رأينا قبولاً بل وتأييداً لاعتقال أربعة حراكيين إسلاميين وتحويلهم إلى محكمة أمن الدولة، بما في ذلك من مخالفة للدستور، لمجرد كونهم من الإخوان.
فمفهوم العدالة لا يتجزأ وفقا لرغباتنا: ومن المهم التذكير بأنه لو سقط الإخوان بناء على فشل أوانقلاب أو ثورة، لا يعني ذلك انتصاراً لأي أنظمة وحكومات تقمع أو تهمش شعوبها.
l.andony@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)