لا عدالة لعمال البوتاس
لميس أندوني
جو 24 : يدخل اضراب عمال شركة البوتاس أسبوعه الثالث, دون اهتمام رسمي يذكر, ووسط إهمال إعلامي لا يتناسب مع أهمية القطاع الاقتصادية, وحالة من اللامبالاة لمعاناة صامتة عميقة الجذور ولو أنها ازدادت إيلاما بعد خصخصة الشركة عام .2003
قصة عمال ومعظم موظفي البوتاس, لا تختلف كثيراً عن غيرها, من حيث غياب الحقوق والاستهتار بحياة مجموعة مهمة بإنتاجها ومساهمتها لكنها مظلومة بل ومقهورة في ظروفها العملية والمعيشية.
فحتى قبل الخصخصة وبيع معظم أسهمها للمستثمر الكندي, كانت حقوق العمال في الشركة مهضومة- في ظل غياب نقابات عمالية مستقلة وضعف رقابة وزارة العمل.
فمنذ عام ,1986 تم ولأسباب غير مفهومة اتخاذ قرار بحرمان العمال الجدد من مكافأة نهاية الخدمة, مما قسم العمال إلى فئتين مثيرا معظم العاملين الجدد وغضبهم - ولكن لم تفد التذمرات ولا التظلمات في تغيير الوضع الذي استمر بعد انتقال الإدارة إلى المستثمر الكندي.
وحسب قول موظفي البوتاس فإن الإدارة الجديدة أعربت عن استغرابها من الوضع الوظيفي للعاملين في الشركة وانخفاض المعاشات, فترقب العاملون تغييرات تحسن وضعهم المعيشي بعد نحو عقدين من التطنيش والازدراء شكاواهم واعتراضاتهم.
التغييرات أتت أخيراً لكن إلى الأسوأ: فوفقا للهيكلة الوظيفية التي بدأ تنفيذها عام 2008 تضاعفت رواتب المدراء الكبار مما خلق تفاوتاً أكبر بين العاملين , فاستفاد المدراء وذوو المسميات الوظيفية الأهم, والموظفون الشباب الجدد,أما الغالبية من العمال تركت تعاني من معاشات متدنية دون الحصول على حقها المشروع في تعويض نهاية الخدمة - التي حرمت منه بقرار من الإدارة الأردنية ولم تأبه الإدارة الكندية برفع الظلم بل ثبتته.
سياسة المستثمر الكندي, استعملت أساليب رأسمالية في الإدارة ليست برائدة, بل شبيهة بأحكام الاستعمار, تمثلت في خلق فئة مدراء وسطاء مستفيدة ومتنفذة, ليس لها أي مصلحة في نقل مطالب العاملين ولا الدفاع عن مصالحهم - فمصالح هذه الفئة مصانة وامتيازاتها مضمونة.
سياسة فَرِّقْ تسد, القديمة الجديدة نجحت في عزل أغلبية العمال وتهميش مطالبهم لكن الوضع بدأ يتغير مع بدء الاحتجاجات العربية والحراك الشعبي الأردني - الذي قوى شكيمة العمال ونبههم إلى ضرورة المطالبة بحقوقهم.
بالتالي تحرر عمال البوتاس وغيرهم من سطوة قيادات مفروضة عليهم لم تهتم بأوجاعهم وحقوقهم لأن دورها كان السيطرة عليهم وإسكاتهم - كجزء من عملية رسمية ممنهجة لضرب الاتحادات العمالية وتفريغها من مضمونها بدءاً من السبعينيات.
اقتصر نشاط العمال في البدء, ولفترة أشهر - على الاعتصام ومحاولة محاورة الإدارة, والى اللجوء إلى بعض أعضاء مجلس النواب, المتجاوبين معهم , كل ذلك على أمل الضغط على الإدارة بقبول مطالب بإحقاق عدالة في سلم الرواتب , وضمان تعويض نهاية الخدمة وهي مطالب لا تتعارض بل تتوافق مع قانون العمل والعمال الأردني.
ولكن وقبل حوالي شهر تأزم الوضع عندما أحس العمال بالإهانة, عندما قام المدير الكندي, حسب رواية موظفين وعمال بالاعتداء بالكلام والهجوم على أحد العمال -فتحول احتجاج المطالبة بالحقوق إلى تمرد على الهوان والامتهان.
وكان قرار الإضراب: ليس فقط من أجل التصعيد لتحصيل الحقوق الوظيفية والعمالية, بل تعبيراً عن الكرامة مع المطالبة باعتذار المدير الكندي.
أن يكون قطاع البوتاس, في معظمه, تحت الاستملاك فهذه استباحة للسيادة الوطنية, والكثير يمكن أن يقال عن خطر هذا الاستملاك على الاقتصاد الوطني, ولكن مسألة سلب حقوق العمال وكرامتهم, هي ليست فقط امتداداً لهذه الاستباحة.
فلماذا نتوقع من المستثمر الأجنبي احترام حقوق عمالنا, إذ اننا ومنذ البدء وقبل قدومه كُنا قد دسنا عليها? وسلمناه الشركة ومقدراتنا بالكامل مع قرارات جاهزة تبيح استغلال الموظفين والعمال بكل أريحية ودون رقابة.
فنحن سحقنا حقوق العاملين في البوتاس, ولم نهتم حتى بتأمين الحماية لهم, و الرعاية الصحية الضرورية, في عمل يتعرضون فيه للأمراض الخطيرة والمزمنة, فلا حاجة للمستثمر أن يرتدع, لأننا استرخصنا حياتهم وأرواحهم.
لكنهم ها هم نهضوا ليستردوا حقوقهم, والحكومة لا تستمع و لا تستجيب وكأنهم أناس يعيشون في دولة أخرى, لكنها تنسى أن إضرابهم هو السلاح الباقي الوحيد - ولكنه سلاح قوي لن تستطيع الحكومة تجاهله طويلاً فلا حل دون دعم عمال البوتاس, لأن البلد لن تحتمل أي بدائل أخرى.
العرب اليوم
قصة عمال ومعظم موظفي البوتاس, لا تختلف كثيراً عن غيرها, من حيث غياب الحقوق والاستهتار بحياة مجموعة مهمة بإنتاجها ومساهمتها لكنها مظلومة بل ومقهورة في ظروفها العملية والمعيشية.
فحتى قبل الخصخصة وبيع معظم أسهمها للمستثمر الكندي, كانت حقوق العمال في الشركة مهضومة- في ظل غياب نقابات عمالية مستقلة وضعف رقابة وزارة العمل.
فمنذ عام ,1986 تم ولأسباب غير مفهومة اتخاذ قرار بحرمان العمال الجدد من مكافأة نهاية الخدمة, مما قسم العمال إلى فئتين مثيرا معظم العاملين الجدد وغضبهم - ولكن لم تفد التذمرات ولا التظلمات في تغيير الوضع الذي استمر بعد انتقال الإدارة إلى المستثمر الكندي.
وحسب قول موظفي البوتاس فإن الإدارة الجديدة أعربت عن استغرابها من الوضع الوظيفي للعاملين في الشركة وانخفاض المعاشات, فترقب العاملون تغييرات تحسن وضعهم المعيشي بعد نحو عقدين من التطنيش والازدراء شكاواهم واعتراضاتهم.
التغييرات أتت أخيراً لكن إلى الأسوأ: فوفقا للهيكلة الوظيفية التي بدأ تنفيذها عام 2008 تضاعفت رواتب المدراء الكبار مما خلق تفاوتاً أكبر بين العاملين , فاستفاد المدراء وذوو المسميات الوظيفية الأهم, والموظفون الشباب الجدد,أما الغالبية من العمال تركت تعاني من معاشات متدنية دون الحصول على حقها المشروع في تعويض نهاية الخدمة - التي حرمت منه بقرار من الإدارة الأردنية ولم تأبه الإدارة الكندية برفع الظلم بل ثبتته.
سياسة المستثمر الكندي, استعملت أساليب رأسمالية في الإدارة ليست برائدة, بل شبيهة بأحكام الاستعمار, تمثلت في خلق فئة مدراء وسطاء مستفيدة ومتنفذة, ليس لها أي مصلحة في نقل مطالب العاملين ولا الدفاع عن مصالحهم - فمصالح هذه الفئة مصانة وامتيازاتها مضمونة.
سياسة فَرِّقْ تسد, القديمة الجديدة نجحت في عزل أغلبية العمال وتهميش مطالبهم لكن الوضع بدأ يتغير مع بدء الاحتجاجات العربية والحراك الشعبي الأردني - الذي قوى شكيمة العمال ونبههم إلى ضرورة المطالبة بحقوقهم.
بالتالي تحرر عمال البوتاس وغيرهم من سطوة قيادات مفروضة عليهم لم تهتم بأوجاعهم وحقوقهم لأن دورها كان السيطرة عليهم وإسكاتهم - كجزء من عملية رسمية ممنهجة لضرب الاتحادات العمالية وتفريغها من مضمونها بدءاً من السبعينيات.
اقتصر نشاط العمال في البدء, ولفترة أشهر - على الاعتصام ومحاولة محاورة الإدارة, والى اللجوء إلى بعض أعضاء مجلس النواب, المتجاوبين معهم , كل ذلك على أمل الضغط على الإدارة بقبول مطالب بإحقاق عدالة في سلم الرواتب , وضمان تعويض نهاية الخدمة وهي مطالب لا تتعارض بل تتوافق مع قانون العمل والعمال الأردني.
ولكن وقبل حوالي شهر تأزم الوضع عندما أحس العمال بالإهانة, عندما قام المدير الكندي, حسب رواية موظفين وعمال بالاعتداء بالكلام والهجوم على أحد العمال -فتحول احتجاج المطالبة بالحقوق إلى تمرد على الهوان والامتهان.
وكان قرار الإضراب: ليس فقط من أجل التصعيد لتحصيل الحقوق الوظيفية والعمالية, بل تعبيراً عن الكرامة مع المطالبة باعتذار المدير الكندي.
أن يكون قطاع البوتاس, في معظمه, تحت الاستملاك فهذه استباحة للسيادة الوطنية, والكثير يمكن أن يقال عن خطر هذا الاستملاك على الاقتصاد الوطني, ولكن مسألة سلب حقوق العمال وكرامتهم, هي ليست فقط امتداداً لهذه الاستباحة.
فلماذا نتوقع من المستثمر الأجنبي احترام حقوق عمالنا, إذ اننا ومنذ البدء وقبل قدومه كُنا قد دسنا عليها? وسلمناه الشركة ومقدراتنا بالكامل مع قرارات جاهزة تبيح استغلال الموظفين والعمال بكل أريحية ودون رقابة.
فنحن سحقنا حقوق العاملين في البوتاس, ولم نهتم حتى بتأمين الحماية لهم, و الرعاية الصحية الضرورية, في عمل يتعرضون فيه للأمراض الخطيرة والمزمنة, فلا حاجة للمستثمر أن يرتدع, لأننا استرخصنا حياتهم وأرواحهم.
لكنهم ها هم نهضوا ليستردوا حقوقهم, والحكومة لا تستمع و لا تستجيب وكأنهم أناس يعيشون في دولة أخرى, لكنها تنسى أن إضرابهم هو السلاح الباقي الوحيد - ولكنه سلاح قوي لن تستطيع الحكومة تجاهله طويلاً فلا حل دون دعم عمال البوتاس, لأن البلد لن تحتمل أي بدائل أخرى.
العرب اليوم