آراء الشباب في ثورات الربيع
استطلاع رأي على جانب كبير من الأهمية أجراه مركز الجزيرة للدراسات، خلال الفترة من 15 نيسان/ أبريل إلى 25 أيار/مايو 2013 بهدف التعرف على مواقف الشباب وتوجهاتهم إزاء تطورات أوضاع بلدانهم بعد الثورة، واستشرافهم لمستقبلها، بعد أكثر من عامين على قيامها، وشمل بلدان الربيع العربي الأربعة (تونس، مصر، ليبيا، اليمن) واقول بمنتهى الصراحة انني دهشت كثيرا لبعض نتائج الاستطلاع، فيما أصابني بعضها الآخر بصدمة، خاصة فيما يتعلق بمصر تحديدا، علما بأن الاستطلاع خاص فقط بفئة الشباب (17-31 عاما) ولا يعبر عن فئات المجتمع الأخرى.
من الصعب طبعا أن أحيط هنا بكل نتائج الاستطلاع، ولكنني ساتوقف عند بعض الأسئلة التي لفتت نظري كثيرا، ومنها مثلا ما يخص محور الهوية والانتماء، حيث أظهر الاستطلاع أن غالبية الشباب في البلدان المبحوثة تميل إلى تغليب الانتماء إلى الإسلام على انتماءاتها الوطنية والقومية، باستثماء مصر، التي نقول عادة أنها مجتمع متدين بالفطرة، ليأتي هذا الاستطلاع لينسف هذه القناعة من أساسها خاصة فيما يتعلق بفئة الشباب، فقد اختار جل المستجوبين في تونس وليبيا واليمن عبارة «مسلم» كخيار أول بنسب عالية، باستثناء مصر حيث أجاب 61.6% بأنهم مصريون أولا، فيما قال 35.2% أنهم مسلمون أولا، بينما لم يحظ الانتماء العربي إلا على نسبة 1.7%. ما يدل تراجع الشعور القومي إلى آخر السلم!
وفي ما يتعلق بالشريعة الإسلامية، كشف الاستطلاع عن اتجاه عام لدى الشباب مؤيد لاعتبار الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع. على تفاوت كبير بين الدول، فقد جاءت النسبة الأعلى لهذا التأييد في ليبيا بنحو 93% تلتها اليمن بـ89.3%، ثم تونس بـ64% ومصر بـ56.5%.
ومن بين خمسة خيارات طرحها الاستطلاع على المستجوبين كأسباب للثورة، تصدر استشراء الفساد وتردي الوضع الاقتصادي اختيارات الشباب في البلدان الأربعة. وهو أمر لافت للنظر، خاصة لدى الدول المرشحة لحدوث ثورات فيها، ففي مصر احتل استشراء الفساد المرتبة الأولى بنسبة 72.1% تلاه تردي الوضع الاقتصادي بنسبة 59.9%. أما في اليمن وتونس فقد جاء تردي الوضع الاقتصادي في المرتبة الأولى بنسبة 70.3% و57% على التوالي، بينما تصدر غياب الحريات السياسية والمدنية أسباب الثورة في ليبيا بنسبة 59.8%. وفي المرتبة الثانية اختار الشباب اليمني والليبي استشراء الفساد كأحد مسببات الثورة بنسبة 63.8% لليمن و55.8% لليبيا، أما الشباب التونسي فقد انفرد باختيار غياب الكرامة كسبب ثان بنسبة 56%. واختلفت الأسباب في المراتب المتأخرة بين غياب العدالة الاجتماعية وغياب حكم القانون وهيمنة الدكتاتورية، وهي نتيجة غريبة وقد تنسف كثيرا من القناعات المستقرة في أذهان البعض بشان طبيعة محركات الثورة في المجتمع العربي!
أكثر ما احزنني في نتائج الاستطلاع، تباين آراء الشباب في تقييمهم للثورة بشكل عام بين من اعتبرها ناجحة ومن اعتبرها فاشلة ومن اختار عدم الحسم في تقييمه. وإذا كان الشباب الليبي قد اعتبر ثورته ناجحة بأغلبية 63.9% فإن الشباب التونسي رأى عكس ذلك واعتبر بأغلبية 53.5% أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها. أما في مصر واليمن فقد ترددت أغلبية المستجوبين في موقفها واعتبرت أن الثورة لم تنجح ولم تفشل بنسبة 43.5% في مصر و37.9% في اليمن!
أخيرا من النتائج الصادمة للاستطلاع رأي الشباب على صعيد رؤيتهم لمستقبل بلدانهم بعد الثورة، ورغم التباينات التي كشف عنها الاستطلاع في تقييمهم لثوراتهم ومدى تحقيقها لأهدافها، إلا أن هناك تفاؤلا بمستقبل الثورة غلب على أجوبة الشباب في كل من ليبيا واليمن وتونس. ففي ليبيا يرى 77.6% من الشباب أن بلدهم سيكون أفضل في المستقبل، وفي اليمن يرى 47.5% نفس الرأي. أما في تونس فتنخفض نسبة المتفائلين إلى نحو ثلث المستجوبين (34%) ولكنها تظل الغالبة مقارنة بمن يرون عكس ذلك. في مصر جاءت النتيجة مختلفة حيث اعتبر أكثر من ثلث المستجوبين (34.6%) أن وضع البلاد سيكون بحال أسوأ في المستقبل مقابل 16.2% فقط اعتبروا أنه ستكون أفضل!
تنبع أهمية هذا الاستطلاع في أنه أول جهد من نوعه، فيما أعلم، يرصد أراء الشباب العربي، بشكل علمي ومنهجي، ويقترب كثيرا مما يدور في أذهانهم خاصة حول الثورات ومآلاتها، وهو امر بالغ الأهمية لفهم أكثر لهذه الفئة من المجتمع.
(الدستور)