حكاية اوبريت القصة الكبيرة التي غنتها فيروز بعد معركة الكرامة
عامر الصمادي
جو 24 :
أغرب قصة يمكن أن تسمعها حول أغنية (القصة الكبيرة) للمطربة فيروز لتخليد ذكرى معركة الكرامة، ولماذا لم نسمع بها إلا منذ سنوات قليلة رغم أنها سجلت بعد معركة الكرامة بقليل، وما هي قصتها؟!!
بعد النصر الكبير الذي حققه الجيش الأردني بمعركة الكرامة وتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر وقبل حلول الذكرى السنوية الأولى لها طلب معالي الأستاذ الكبير صلاح أبو زيد من الرحابنه وفيروز كتابة وتلحين وغناء هذه الأغنية لبثها بأول احتفال بالذكرى السنوية للكرامة وهذا ما تم فعلا ،واتصلوا به قبل يومين لإبلاغه بأن الأغنية جاهزة للبث في الذكرى الأولى للمعركة فابتهج الجميع بذلك خاصة وأنها بصوت سيدة الغناء العربي فيروز، طلب منهم صلاح أبو زيد إرسالها على وجه السرعة وكانت المفاجأة أن السلطات السورية أغلقت الحدود، طبعا معروف أنه لا طريق من لبنان إلى الأردن إلا عبر سوريا، فطلب منهم إرسالها بالطائرة وكانت المفاجأة الثانية أن موعد الرحلة القادمة سيكون بعد أيام من الاحتفال بذكرى الكرامة، ولم يكن هناك يومها إلا رحلة واحدة أسبوعيا بين عمان وبيروت ، وكان مدير الإذاعة قد أبلغ رئيس الوزراء والديوان الملكي وقيادة الجيش بأمر الأغنية فأسقط بأيدي مدراء الإذاعة ، فما العمل ؟؟
تفتق ذهن الأستاذ صلاح أبو زيد يومها عن الطريقة التالية لإحضار الأغنية وبثها يوم ٢١ /٣، وكانت كالتالي: كان بث الإذاعة اللبنانية يصل الى المناطق الجنوبية من سوريا فقط، فارسل فريقا فنيا ومعه سيارة بث إذاعي كبيرة إلى الحدود مع سوريا وتم اختيار منطقة مرتفعة تمركزت بها السيارة وتم الاتفاق مع الرحابنه على بث الأغنية في السابعة صباحا من يوم ٢١/٣ ضمن فقرة فيروزيات التي تبثها الإذاعة اللبنانية صباحا ليقوم الفريق الأردني بالتقاط البث وتسجيل الأغنية وإرسالها إلى عمان لبثها من الإذاعة الأردنية بعد ذلك وعلى وجه السرعة، وزيادة بالحيطة والحذر قام الفريق الفني بتسجيل الأغنية على شريط وإرسالها مع سيارة إلى الإذاعة وبنفس الوقت قامت سيارة البث ببثها إلى أقرب محطة إرسال إذاعي واعتقد أنها محطة راس منيف في عجلون، لأن بث السيارة لم يكن يصل بجودة عالية إلى عمان، وهكذا بثت من محطة إلى محطة حتى وصلت إلى الإذاعة الرئيسية كاحتياط في حال تآخر السيارة، وبالفعل وصلت بالوقت المناسب وتم إجراء بعض العمليات الفنية عليها وإعادة بثها مرات ومرات في ذلك اليوم.
وهذا يفسر بعد ذلك قيام الإذاعة الأردنية بتخصيص نصف ساعة يوميا، من السادسة والنصف وحتى السابعة صباحا للمطربة الكبيرة فيروز والرحابنه كنوع من التكريم والعرفان بما قاموا به تجاه الاردن، واستمر ذلك لسنوات طويلة، وأيضا كان هذا التوقيت هو اسم لبرنامج سياسي قدمته عام ٢٠٠٨ على شاشة التلفزيون الأردني من إعداد الزميل الصحفي باسل العكور، أحد أفضل معدي البرامج الذين عملت معهم، ولكن البرنامج لم يستمر طويلا بسبب سقفه المرتفع فأوقف عدة مرات ثم تم فصل الزميل باسل العكور من التلفزيون وبعدها أوقف نهائيا وتم نقلي إلى الإذاعة.
أما لماذا غابت هذه الأغنية بعد ذلك لسنوات طويلة ثم عادت إلى الظهور فهذه قصة تدمي القلب، فقد كانت مسجلة على شريط من النوع القديم جدا (2inch) والذي تم الاستغناء عنه في منتصف السبعينيات من القرن الماضي واستبداله بأنواع أخرى من الأشرطة ولم يعد أحد يسأل عن الكرامة أو تلك الأغنية وهكذا نسيت.
وفي عام ٢٠١٧ كان الزميل النابه ممدوح أبو الغنم يكتب بحثا لمعهد الاعلام الأردني تطلب منه لقاء الإعلامي الكبير صلاح أبو زيد -اطال الله بعمره - الذي ذكر له الحادثة ،فعاد ممدوح إلى أرشيف التلفزيون للبحث عن تلك الأغنية، وطبعا كان الأرشيف بأسوء حالاته وتمكن من إيجاد الأغنية وإنقاذها قبل وقت قصير من إتلاف عدد كبير من الأشرطة وتم إعادة نسخها وهكذا أصبحنا نسمعها هذه الأيام بفضل نباهة وإخلاص ممدوح ومن هم مثله.
اغتنمت ذكرى الكرامة اليوم لأسرد لكم هذه القصة ولأقول لمن يعنيهم الأمر -إذا كان هناك من يهمه الأمر-: إن أرشيف الإذاعة والتلفزيون تعرض وما زال لأبشع أنواع الإهمال والتفريط بما يحتويه من كنوز وما زال هناك وقت لإنقاذ جزء منه.
** للاستماع إلى الاوبريت أسفل المساحة الاعلانية..