رمضانيات 6 - "وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
لقد لُخِصَت رسالة الاسلام بالحديث الشريف ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )، لذلك كان خير مديح من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم(وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). تمثل الأخلاق في الاسلام (قواعد قانونية ذاتية ضابطة ) لعموم حياة الناس، تضبط السلوك بالعلن كما في السر (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، ولم تكم قصة خلط اللبن بالماء في عهد عمر بين الخطاب - رضي الله عنه- الا ترجمة لهذا الايمان (إن كان عمر لا يرانا، فرب أمير المؤمنين يرانا)، وحتى للحرب أخلاق في الاسلام؛ فلا غدر ولا نقض للعهود ولا تخريب للبيئة ولا عدوان. لذلك كان من عظيم وصاياه صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن(.
في شهر رمضان ينبغي أن تكون أخلاقنا على نمط مختلف من حيث الكم وليس النوع فقط؛ فمقدار الاحتمال والتسامح ينبغي ان يكون اكبر وأوسع، فبرغم صعوبة احوال الصيام على بعض الناس، الا ان مقصد الصيام بتحقيق التقوى؛ يرتفع بالناس لمصاف متقدمة، جاء في الحديث:( إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ ، وَلا يصخب ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ )، فحتى "حق الدفاع عن النفس" أو "المعاملة بالمثل" تُعطل امام سمو حال الصائم؛ كيف لا والله يصفه ( قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ). وحتى مقدار الجود يرتقي للأعلى (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان).
ما أعظم ذلك التوجيه، وكم يحل هذا السلوك المشكلات؛ كثيرها وكبيرها، وكأننا بأخلاق ملائكية وليست بشرية، هكذا ببساطة دون رقابة من بشر، أو حوافز أو عقوبات من صاحب سلطان. نعم نحن قادرون على امتثال هذه الأخلاق ابتغاء الأجر وعدم ضياع صيامنا ( كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَ الظَّمأ). ما احوجنا ان نتذكر هذه المعاني، فنكون اصحاب "اخلاق رمضانية"، ونداوم عليها ما استطعنا، فذلك ما نحتاجه لأنفسنا يوم الحساب ( مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ... )، ن جابرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون». قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارين والمتشدقين فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبرون». وبين الخلق ( أحسن إلى الناسِ تَستعبد قلوبهم ... فطالما استعبدَ الإنسان إحسان).
وتقبل الله صيامكم وحسن أخلاقكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم.