jo24_banner
jo24_banner

رمضانيات 19 - “وافعلوا الخير لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"

د. نبيل الكوفحي
جو 24 :


باب عمل الخير واسع لا يمكن حصره بأشكال محددة، وهو ترجمة حقيقية لمعاني الإيمان، وصورة اخلاقية عن الانسان، ومقياس معياري لتقدم البلدان والامم، مستمر متجدد لا يحده زمان ولا مكان (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها). لذا جاء الربط القرآني بين اهم شعائر العبادات؛ الصلاة وفعل الخير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج: 77) له دلالة واضحة في المقاصد والمألات؛ اَي ان فعل الخير عبادة مطلوبة.

مفهوم العبادة في الاسلام ليس مقصورا على الشعائر التعبدية، فاستحضار النية الخالصة لله والاجتهاد في حسن اداء الاعمال، يُسجل ذلك العمل في الميزان حسناته، وقد دلت على ذلك آيات واحاديث كثيرة. وفي إشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الى عمل خير جماعي قبل الاسلام ايضا دلالة على وجوبه حتى مع غير المسلمين ان تحققت فيه المصلحة العامة للناس: ( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت ... )

الخير كل ما حث الله على عمله فيما عدا الواجبات التي صح وجوبها. وفي رمضان اجواء نفسية مساعدة على استجابة الناس لفطرتها في فعل الخير، من بذل الصدقات، وإصلاح ذات البين، وبناء المساجد، لكننا ينبغي ان لا نتوقف عند هذا االأشكال الشائعة: فالزراعة والحفاظ على البيئة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كانَ ما أُكِلَ منه له صَدَقَةً، وما سُرِقَ منه له صَدَقَةٌ، وما أكَلَ السَّبُعُ منه فَهو له صَدَقَةٌ، وما أكَلَتِ الطَّيْرُ فَهو له صَدَقَةٌ، ولا يَرْزَؤُهُ أحَدٌ إلَّا كانَ له صَدَقَةٌ))

ونظافة الطرقات (وتعزل الشوكة عن طريق الناس)، والإفساح في وقوف المركبات ، وإعطاء الأولوية في سير المركبات والإيثار بطوابير الشراء والمعاملات لكبار السن والسيدات، والتعاون بين كل سكان حارة أو حي لحل مشكلاتهم، ولا ننسى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاَ, وغيرها كثير جاء قوله تعالى مسجلا له بصيغة عامة وصغيرة مهما قل (من التبعيض) (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة: 215)

كلما كان الخير المبذول أعم وأشمل فائدة وأطول نفعاً كان أولى, كم هو جميل ان يوشح سماء الوطن بأوقاف لأعمال الخير، تحمل اسماء أشخاص وعشائر وشركات لتكون شهادات حية على تأصل الخير في بلدنا، وتكون كتاب تعليم مفتوح للأجيال. ربما لا يعلم الكثيرون ان كثيرا من الجامعات المرموقة في امريكا هي وقفيات لعائلات وأشخاص، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).

يستمر أجر عمل الخير بعد وفاة صاحبه, جاء في الحديث الشريف (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). نتمنى ان يبادر كثير من الأبناء لاستمرار اعمال والديهم بعد مماتهم بمشاريع ذات افكار خلاقة، تترك اثرا مستمرا الى قيام الساعة. في الحديث (ومن الـمعروف أن تلقَى أخاك بوجهٍ طَلْق)

وتقبل الله صيامكم، وفعل الخير منكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم.
 
تابعو الأردن 24 على google news