رمضانيات 20 - "الْجٰاهِلِيَّةِ الْأُولَى"
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
جاءت لفظة «الجاهلية» في أربع مواضع في القرآن الكريم :
1-قوله تعالى في سورة آل عمران:54 (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجٰهِلِيَّةِ)
2-قوله تعالى في سورة المائدة:50 (أَفَحُكْمَ الْجٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
3-قوله تعالى في سورة الأحزاب:33 (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجٰهِلِيَّةِ الْأُولَى).
4-قوله تعالى في سورة الفتح:26 (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجٰهِلِيَّةِ).
وقد شملت مجالات العقيدة وسوء الظن بالله كما في الاية الاولى، وهي أي العقيدة الحد بين الايمان والكفر وممارسة الحكم الظالم كما في الاية الثانية وتشمل النظام العام الذي يحكم المجتمع وعلاقاته مع الحاكمين والمحجكومين، أما في الثالثة فقد عابت فيها سلوك المرأة اذ ظهرت بمظهر بعيد عن الدين وهذا تعبير عن سلوك الافراد بشكل عام، وكانت الاخيرة تصف العلاقات الاجتماعية المقيته التي فيها تحكم العاطفة بدلا من العقل، فتكون نصرة للقريب على ظلمه وما يؤدي له من فتن وثارات، وأسوأ مظاهرها ما قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنه (مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ)، وقد تكون هذه الحمية: عشائرية او مناطقية او ترابية.
مصطلح الجاهلية، مصطلح وصفي وتاريخي بنفس الوقت، فهو أطلق على الفترة ما قبل الاسلام، وذكر بعضهم انه يطلق على كل فترةما قبل الرسالات ومبعث نبي من الأنبياء ، حيث بعد البشرية عن دين الله جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي، أن النبي قال (فإنها لم تكون نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية).
والحال الاخر هو النقيض لحال العلم، فالجاهلية من الجهل، أي الخفة والطيش والتحلل واتباع الهوى. وليس من نقص المعلومات فحسب، لذلك كانت الايات الاول في التنزيل قد ركزت على الوحي والعلم معا (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). فالعلم دون التزام بالوحي مهما بلغ لا تستقيم به حياة البشر مهما علت الابنية وتقدمت التكنولوجيا، فالشقاء ملازم له كما الظلم واحتكار الموارد، فهو جاهلية، واتباع الوحي مع أهمال العلم وتدبير امور البشر والكون كذلك لا تستقيم الحياة بها.والجاهلية كما لاحظنا في الايات تطلق على المجتمعات كما تطلق على بعض سلوك الافراد او حياتهم، فهذا أبو ذر الغفاري، حيث قال به رسول الله (ما أقلَّت الغبراء، ولا أظلّت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر). وبذات الوقت وصف النبي خطأءه بحق بلال الحبشي ( أعيّرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية! ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى).
مطلوب من كل فرد أن تبرأ من الجاهلية اعتقادا وممارسة للحكم وسلوكا فرديا وكعضوا في عصبة مهما صغرت أو كبرت، والأمر كذلك مطلوب من الامة: سواء توحدت في مكان محدود أو توزعت وربطتها رابطة اخوة الدين. ولا براء ولا خلاص لنا افرادا وشعوبا دون النظر للامر من جناحيه: الوحي والعلم،ولا طيران ولا استقرار بجناح واحد مهما تعاظم وكبر. والطريق لذلك واضح ومحدد (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
وتقبل الله صيامكم والتزامكم بأحكام كتاب ربكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم