رمضانيات 22 - "فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا"
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
الصبر خلق عظيم، لا يناله الا من تمتعوا بخصال الايمان العميق والرضى والتسليم لأمر الله، هذا الخلق خاطب به الله سبحانه أنبيائه فقال: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} وقال ايضا: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ). كما أمر الله به المؤمنين، بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا)، ومدحهم ووصفهم بالصدق، وهي صفة عظيمة، فقال تعالى: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
وردت مفردة الصبر ووصف الصابرين بايات كثيرة، على سبيل الامر والندب، كما على سبيل الصفه، وخص الله المركب "الصبر الجميل" لأنبيائه، فهذه الاية على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام في قصة يوسف عليه السلام مع اخوته (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ)، وفي موضع اخر من ذات السورة (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا) أي رجوع ابنائه يوسف وأخيه وروبي اليه. أما خطا برب العزة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقد جاء بقوله ( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا) صبر لا جزع فيه. صبر على أذى المشركين له، ولا تتوقف عن تبليغ ما أمرك ربك من الرسالة، وفي موضع اخر (فاصبر صبرا جميلا، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) صبر جميل: لا تضجر فيه ووسوسة نفس.
الامر بالصبر بخصوص المؤمنين جاء مقرونا بأفعال محمودة أخرى كقوله في الحث على الصبر والجهاد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وفي وصف جزائه تعالى ( إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ). وقد ورد الامر بالصبر مقرونا بالامر بعبادات وأفعال اخرى كما في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وجاء مقرونا بالعمل، كقوله (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)، ومع الاستغفار والتسبيح كما في قوله (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالأِبْكَارِ)
جاء جزاء الصبر في ايات كثيرة، وجاء الجزاء بالأحسن من الأافعال والجزاء، قال تعالى (ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، بل جاء منفردا بلا أجر معدود، كما في قوله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). وفي الحديث قال صلـى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله عجب، لا يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له). والصبر هو صبر على الطاعة واستمرار فعلها، وهو صبر عن المنهيات حتى لا يفعلها، فإن النفس والشيطان وقرناء السوء يزينون السوء، وهو ثالثا صبر على ما يصيبه من المصائب دون اختياره: كالأمراض وموت الأحبةوغيرها وهو من قضاء الله وقدره، وصبر على فعل أذى وسوء يحصل له من الاخرين في ماله أوعرضه أو نفسه.
هناك أمر دقيق ينبغي النفريق فيه بين الصبر المحمود والذلة المقيتة المذمومة، فالرضى بالمرض مثلا دون السعي للعلاج المتاح لا يعد صبرا محمودا، فالمطلوب جاء في الحديث (تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد الهرم) والسكوت على الظلم بغير السعي لرده والتحرر منه لا يعد صبرا، فوصف المؤمنين جاء بقوله تعالى ( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا)، وجاء أمره تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)، وفي التوجيه العام للأمة قوله (ذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُوُدِعَ منهم).
وتقبل الله صيامكم وصبركم على فعل الطاعات وترك المنهيات، ولا تنسونا من دعائكم.