النتائج الاستراتيجية لمعركة سيف القدس
اللواء المتقاعد محمود المطر
جو 24 :
في معرض ردي على معالي وزير الإعلام صخر دودين في مقال سابق، تطرقت إلى حقيقة استراتيجية هامة تتمثل بكون إسرائيل دولة لديها إمكانيات عسكرية ضخمة تستطيع نشر الدمار والخراب في كل مكان، ولكنها كالبالون سينفجر عند إعطائه جرعة زائدة من الهواء، وها هي انفجرت امامكم وانتم تنظرون، وهذا الانفجار ليس وهماً بل هو حقيقةً كالشمس الساطعة والتي لا تغطي بغربال، خاصة اذا ما طبقنا المعايير الحقيقية لموازين القوى العسكرية بين طرفين غير متكافئين لا من حيث حجم القوة ولا التسليح ولا الإمكانات ولا بالحيز الجغرافي او المجال الحيوي، ولا حتى بالدعم الدولي والإقليمي. وعلى الرغم من أن الحروب الحديثة أصبحت تعتمد على أحدث أنواع التكنولوجيا استخباراتياً وعملياتيأ لإحداث الضرر المرغوب ضد الخصوم، إلا ان الانسان بإيمانه وتصميمه وأرادته لا يزال هو مركز الثقل الاستراتيجي في إدارة المعارك، حتى لو كان اقل تسليحاً وبإمكانات متواضعة، لا سيما إذا كان لدية الاستعداد التام لتقديم التضحيات من قبل مقاتليه وحاضنته الشعبية، وبالتالي يكون هو القادر على النصر أو على الأقل منع عدوه من تحقيق أهدافه.
رغم الجراح الكبيرة التي اصابت أخوة لنا في غزة وسائر جغرافية فلسطين، إلا أن هذه المعركة وهذه الانتفاضة المباركة ستفرز نتائج سياسية واستراتيجية وعسكرية هامة سيكون لها تداعيات كبيرة حتى على كافة منطقة الشرق الأوسط ولسنوات قادمة، فبعد معركة سيف القدس لن يكون مشابهًا لما قبلها لا من حيث الموقف الدولي الشامل من قضية فلسطين ولا من حيث المكانة الاستراتيجية التي حظيت بها إسرائيل طيلة العقود الماضية، وبالتالي فإن القواعد تغيرت والمؤامرة سقطت والمقاومة صدقت والقيود تحطمت وعقارب الساعة لن تعود الى الوراء. وفي هذا الصدد، لا بد من التوقف عند ثلاث نتائج استراتيجية بالغة الأهمية وهي:
النتيجة الاستراتيجية الأولى أن إسرائيل نفسها انكشفت استراتيجياً وعسكرياً ولو جزئياً، فلم يعد بالإمكان التهويل من قوتها العسكرية واستخدامها كما ترغب وتريد دون محددات وضوابط وحسابات الفوز أو الهزيمة. فهناك تمييز في الدراسات الاستراتيجية بين القوة من جانب والقدرة على توظيفها (Power Fungibility) من جانب آخر. وانني على قناعة مطلقة بأن العديد من دول العالم خاصةً الولايات المتحدة والدول الغربية ستعيد تقييم العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل من جديد، وعلى اعتبار أن إسرائيل دائماً كانت تسوق نفسها بأنها الحارس الأمين لمصالحهم بالشرق الأوسط. ربما كان ذلك صحيحاً الى حد كبير قبل موجة الصراع الأخيرة، حيث اثبتت ذلك وعلى مدى العقود الماضية، الا أن الصورة الاستراتيجية الان أصبحت مشوشة ولن يكون نتيجة تقييمهم تتماهى مع الحقيقة السرمدية والتي تطلق يد إسرائيل في كل مكان وبحجة انه يحق لإسرائيل أن تدافع عن نفسها، خاصة مع وجود عودة جديدة من التعاطف الدولي والإقليمي مع الشعب الفلسطيني والتي لن يغامر الغرب التضحية بها وبدول إقليمية كبيرة وهامة في منطقة الشرق الأوسط تشكل خط الدفاع الأول في التحدي والتهديد الأكبر القادم من الشرق المتمثل في روسيا والصين.
النتيجة الاستراتيجية الثانية تتعلق بمشروع الوطن البديل الذي تتبناه إسرائيل وبصورة متسارعة من خلال إجراءات تفريغ الأرض من أهلها في فلسطين، وانني أرى أن هذا الجولة من الصراع قد حطمت هذا المشروع مرحلياً وليس نهائياً أو على الأقل أبعدت تداعياته عن الأردن لمدة عقد من الزمن، وهذا دائماً كان متطلباً اردنياً تخشى الأردن من تفاعلاته الإقليمية والدولية الناشئة عن التحريض الإسرائيلي المستمر على الأردن بوصفه "وطنًا بديلًا لإخواننا الفلسطينيين، وعليه فإنني أقول وبكل صراحة انه ليست هناك أي مصلحة اردنية بالجفاء مع اية شريحة من شرائح المجتمع الفلسطيني، لا سيما المقاومة الفلسطينية لأنها لا تقاتل خارج ارضها بل تدافع عن وطنها وشرفها وكرامتها، وما شهدنا يوماً ان سلاحها امتد الى أي بلد عربي حتى انها فضلت الخروج من سوريا عندما سعى النظام السوري إلى توريطها في الحرب الاهلية الداخلية، وبالتالي فإن للأردن كل الحق والمشروعية للتعامل مع كل أبناء فلسطين وعلى اعتبار أن الأردن لا ينفرد بذلك، فهناك العديد من الدول عربية وغير عربية تتواصل مع السلطة وجميع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني في فلسطين، وعليه فلا ضير أن نكون دائماً جزاً من الحل محلياً واقليمياً ودولياً
اما النتيجة الاستراتيجية الثالثة فهي تلك الضربة الموجعة التي تلقتها جماعات الهرولة والانبطاح لإسرائيل في كافة أرجاء الوطن العربي والذين هم في كل واد يهيمون بحب اسرائيل معتقدين أن إسرائيل هي الرب والقدر فإذا نالوا رضاها فقد فازو بجميع مكاسب الدنيا، ومن هنا تذكرت إحدى صفحات التاريخ المجيد وعن أحد ملوك اليونان العظماء(ليوتيداس) والذي كان ملكاً على اسبارطة، إحدى ممالك اليونان القديمة، حيث رفض الخنوع والاستسلام لإمبراطور الفرس ( احشويرس الأول) بغزو اليونان والاستيلاء على أثينا، ووقف صامداً ووحيداً هو وثلاثمائة من فرسانه وخاضوا معركة ( ثيرموبلاي) أو البوابات الساخنة عام 480 قبل الميلاد واوقفوا تقدم جيش الفرس والذي كان يتعدى حجمة 300 الف جندي واغلقوا مضيق (ثيرموبلاي) الا أن خيانة اليوناني (ايفيلايتيس) والذي أخبر الفرس عن إحدى الممرات البديلة ما أفضى إلى مقتل الملك وجميع جنوده إلا واحد عاد وأخبر القصة والملحمة البطولية، لقد دخلت قصة الملك الهمام كل بيت في اليونان وما لبثت هذه القصة الا أن تكون سبباً في اتحاد اليونان والحاق اكبر هزيمة عرفها التاريخ القديم بالإمبراطورية الفارسية، المغزى من هذه القصة ان الملك وقبل أن يقتل ويقطع ويعلق رأسه رأى هذا الخائن اللعين وقال كلمته المشهورة (يا ايفيلايتيس عش للابد)، ونحن أبناء هذه الامة نقول لهؤلاء الخانعين الاذلاء أصحاب المصالح الضيقة ( عيشوا للابد أن استطعتم) رغم اننا نعرف أن الإجابة بيد الخالق سبحانه وتعالى، لكن الأحرى أن نقول لهم انتم كبراز القطط مكانكم دائماً تحب التراب.
لن يتم تحرير فلسطين، ولا حتى شبرٍ واحدٍ منها، إلا على أيدي من هم أطهر الناس في دينهم وعقيدتهم ومن خلال رجال ذو بأس شديد يدافعون عن الحق والعدل والأوطان أمثال أبناء فلسطين في غزة واخواتها من مدن فلسطين، وليست مقاومات تعمل على مبدأ مرسال الحب إن ارادت أطراف إقليمية أن تحقق اهدافًا خاصة بها انبرت ومثلت الدور الهزلي وكأننا نشاهد مسرحية لمدرسة المشاغبين، ومن يقول غير ذلك يكون قد قرأ التاريخ بشكل معكوس، فلم يكن فاروق العدل عمر أو المجاهد الكبير صلاح الدين الايوبي او السلطان المؤمن قطز او الظاهر بيبرس الاسد المغوار الا أمثلة حيّة على نبل المكان وطهارته، وعليه أقول وأتحمل نتيجة قولي إن الإرادة الإلهية للخالق جلّت قدرته لن تسمح لمن تلطخت يداه بدماء المسلمين وهتك اعراضهم أن يكونوا ابطالاً يقودوا الامة الى النصر، فهذا المكان اسمى عند الله من أن يتسلق عليه أصحاب شعارات الدجل والانتصارات الوهمية، وان عدتم عدنا.