الإصلاح السياسي كخطوة جادة
د. هشام نبيل العياصرة
جو 24 :
عاد الحديث في الفترة الأخيرة عن عملية الإصلاح السياسي بعد توجيهات الملك للعمل على تحقيقها، وبدأت اللقاءات حولها في إطار مجلس الأمة واللجان الوزارية، وشهدت الساحة السياسية حوارات وطنية سابقة في ذات الشأن، كالحوار الوطني والأوراق النقاشية والأجندة الوطنية والميثاق الوطني، إضافة إلى اسهامات المنشغلين في العمل السياسي سواء أكاديميين أو حزبيين، وما حملته الاحتجاجات الشعبية في العقد الماضي من مطالبات بتحقيقه، ولكنها بقيت جميعها معلقة دون تحقيق أي نتائج ملموسة، وزادت الممارسات غير الديمقراطية كما أشار مؤشر الديمقراطية العالمي مؤخراً إلى تراجع الأردن لمصاف الدول الاستبدادية بعد أن كانت من الدول الديمقراطية نسبياً.
يتناول السياسيون مفهوم الإصلاح السياسي بشكل كبير، ولكنهم يختلفون في توظيفه حسب مرجعياتهم ومواقعهم، وينحصر الحديث عنه في اتجاه إطار مفهوم الديموقراطية، فهو تعديل غير جذري في شكل الحكم وقطع تدريجي مع الأشكال غير الديمقراطية، حيث يؤثر في البيئة الكلية للدولة لأن تأثيرها يمتد إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويتحقق نتيجة لعلاقات الصراع السياسي، فكل طرف يستحوذ على أكبر مساحة في الرقعة السياسية، ولا يمكن أن يتنازل عن مكتسباته دون أن يضطر لذلك، والمقاربات التي تتحدث عن إصلاح يأتي من ذات النظام السلطوي وبإرادته سطحية وغير صحيحة، وخطاب يعلن من أجل استهلاكه من قبل الجمهور، وإعادة نفس الأنماط الاستبدادية لضمان استمرارها في السلطة، والحفاظ على الامتيازات والمصالح الاقتصادية.
فمعادلة الإصلاح السياسي تشير إلى أنه يتحقق إما نتاج الصراع السياسي بين النخب السياسية، أو نتاج الضغط الذي تمارسه الأحزاب والنقابات والإعلام وغيرها من القوى التي تكمن أهميتها في الدفع نحو الإصلاح، وإذا كانت هذه القوى تعاني من انعدام الديمقراطية وأصبحت نفعية ومتماهية مع الأنظمة السلطوية، فيصبح الإصلاح هنا أصعب عمليات الإصلاح إذ يستهدف المجتمع السياسي كاملاً، فإذا تعذرت معادلة الصراع هذه يبقى تهديد الشارع نموذجاً آخر من نماذج الصراع، تصبح الدول في مواجهة الشارع مباشرة، وهذا أخطر من الصراع الذي يتشكل خلال القنوات السياسية إذ يمكن إدارته، فالإصلاح السياسي صمام أمان الدول واستقراراها ضد الثورات.
يحتاج الإصلاح السياسي إلى بئية مجتمعية حاضنة له، وأقلها أن تتخذ السلطة خطوات مسبقة تنعكس على الحريات العامة وحقوق الإنسان، وعلى الأحزاب السياسية وفاعليتها، وعلى مؤسسات المجتمع المدني وأهمها نقابة المعلمين، بحيث تمكن هذه الخطوات النظام السياسي من عقد حوارات إصلاحية حول مبدأ التداول على السلطة من خلال حكومات منتخبة، وتوسيع نطاق المشاركة السياسية، وتعزيز منظومة الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، والفصل بين السلطات.