2024-05-27 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

إلى أين تذهبون بالدولة ؟!

إلى أين تذهبون بالدولة ؟!
جو 24 :

كتب تامر خرمه -

أكثر من 500 جريمة شهدتها البلاد خلال فترة العيد، قبل أن نتفاجأ بمجرّد انتهاء العطلة الرسميّة بجرائم قتل وسطو مسلّح وسرقة منظّمة يتلقّاها المراقب دفعة واحدة، دون ان يتسنّى له التقاط أنفاسه، فقبل ان تتمكّن من مسح ملامح الذهول والاشمئزاز عن وجهك، تكون جريمة أخرى قد صفعت إدراكك بمزيد من الدم.

ترى.. هل حقّا هذا هو الأردن الذي يتغنّى شعبه ونظامه بل وحتّى السلطة الحاكمة فيه بـ "نعمة الأمن والأمان".. أم أن دوران الأرض تسارع حتّى قذفتنا إلى جرم سماوي ناءٍ، استقرّ في فلك الجريمة وانهيار المنظومة القيميّة والأخلاقيّة برمّتها ؟!!

مشهد مرعب بات يحاول فرض نفسه على غد الأردن، في ظلّ إصرار السلطة الرجعيّة على حماية مصالح المتخمين بالثروة وعشق السلطة، على حساب السواد الأعظم من الناس، حتّى خرج كلّ من لم يكتمل نموّ ضميره من جحره، باحثا عمّا يكفيه -هو على الأقلّ- من مبرّرات الانحطاط، لإسكات جحيم حرمانه بالاعتداء على دم الناس وعَرَقهم وقوت أبنائهم، عبر السرقة والقتل والنهب والسلب...و..و...

وطأة الغلاء تدفع بالمجتمع إلى حافّة الهاوية، وأحمق من يحاول الفصل بين جحيم الأسعار ولعنة الجرائم.. وقد يقول قائل إن الفقر لا يبرّر الجريمة، ولن ندخل هنا في جدال فلسفيّ معرفيّ يدور حول فلك الأخلاق وعلم الجمال وأنطولوجيا الروح، بل يمكن تلخيص الأمر بكلّ بساطة: إذا كان الفقر لا يبرّر الجريمة، فيكفي ان يسبّبها.

استعار لا يتوقّف لأسعار ما عاد المواطن يحتمل كيّها، ولهاث بشع لإرضاء الحلف الحاكم وإشباع شهيّته المتوحّشة، عبر استنزاف الفئات الشعبيّة وعصرها حتّى آخر قطرة عرق.. ماذا يتوقّع صنّاع القرار بعد كلّ هذا ؟ وهل حقّا يوجد بينهم من يأمل بدوام "نعمة الأمن والأمان"، رغم الاستمرار بهذه السياسات المنحازة لطبقة تغوّلت حتّى على أبسط أحلام الفقراء !!

إلى أين تذهبون بالدولة ؟!! صرخة على كلّ مسؤول في هذا البلد سماعها وفهمها وإدراكها جيّداً.. ومن كان يعتبر نفسه مخلصاً وحريصاً على الدولة الأردنيّة عليه أن يتوقّف على الأقل عن تبرير انسحاب الدولة من كافّة مناحي الحياة الاجتماعيّة، وتسليم دفّة الاقتصاد لثلّة "الحيتان" التي نهبت كلّ شيء، ومازال زفيرها يسأل هل من مزيد !!

وفي غياب دور الدولة من الطبيعي أن تظهر الولاءات الفرعيّة ويلوذ كلّ لعشيرته يحتمي بها ويعلن ولاءه وانتماءه لها فقط، ومن الطبيعي أيّها الجهبذ الباحث عن أسباب تفشّي ظاهرة العنف الجامعيّ بين أوراق مكتبك الفاخر، أن تصفع هذه الظاهرة مجتمعنا بكلّ ما شهدناه من قبح المشهد في الآونة الأخيرة.

ولكن ما هو غير طبيعي ولا منطقي ولا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال، ليس سوى الاستمرار بهذه السياسات المقامرة بوجود ومستقبل الدولة والشعب والحلم، فسياساتكم الرعناء يا صنّاع العتمة أوصلت الأمور إلى درجة مرعبة، بات فيها قتل مواطن مجرّد نبأ، ينشره المحرّر -في أيّة وسيلة إعلاميّة- على عجالة، ليتسنّى له نشر ما تبقّى بين يديه من أخبار السطو المسلّح، والسرقة المنظّمة، والمشاجرات الدمويّة !!

لقد وصل الأمر يا صنّاع القرار في دابوق والجندويل إلى درجة بات فيها المواطن يلوذ بشكواه لأحد البلطجيّة وفتوّات "الدواوين".. نعم "الدواوين".. دواوين "الزعران" وعصابات النهب والسلب، وليس الديوان الملكي الذي يستفزّ رجال الدرك اقتراب أيّ مواطن منه باعتصام سلمي حضاري لعرض شكوى أو مظلمة.. فهؤلاء "الزعران" بات لهم حظوتهم في مجتمعنا -مع الأسف- بل بات الواحد فيهم "فكّاك نشب" يحلّ ويربط ويحكم بين الناس بـ "عدله"، في غياب الجهات التي يفترض انّها المسؤولة عن أمن وحقوق الناس !!

تخيفكم الاعتصامات السلميّة الحضاريّة المطالبة بالإصلاح واجتثاث الفساد ؟؟! ألا يخيفكم ما وصلت إليه الأمور، في ظلّ تزايد الضغط الهائل القابع على أكتاف المواطنين ؟!

كثيرة هي قصص وحكايات فلان الذي لاذ إلى "فكّاك النشب" الفلاني ليأخذ له حقّه أو يحميه من مجموعة "علان"، ولا يكاد يوم ينقضي إلا ونسمع فيه عن جريمة جديدة تقشعرّ لها الأبدان.. أين تذهبون بالدولة ؟!!

طفل لا يتجاوز العاشرة من عمره في هذا الوطن، يستطيع إخبارك أن الإصلاح واجتثاث الفساد ومحاسبة المعتدين على قوت الناس وأمنهم -سواء أكانوا من مجرمي الشارع أو مجرمي السلطة- هو الضمانة الوحيدة للاستقرار، وليس المغامرة بسياسات منحازة لمن لا يشبع من ثمارها، رغم كلّ ما أصابه من تخمة !!

ترى.. هل يستطيع المخرج الحذق حلّ الحبكة بعد اكتمال ملامح مشهد الانهيار.. بعد تفكيك المنظومة القيميّة والأخلاقيّة وهدم أسس الأمن الاقتصادي وإقناع الناس بغياب القانون، وبأن لكلّ صاحب حقّ ذراعه التي لا يمكنه التعويل إلاّ عليها ؟!!

وإذا كان يعلم عجزه عن حلّ العقدة بعد نضوجها.. فإلى أين يمضي عبر هذه السياسات التي لا تعرف إلا جيوب المواطنين لتعويض المليارات التي ينهشها الفاسدون من خزينة الدولة ؟!

وهل يعلم صنّاع القرارات "العظيمة"، الذين يحشرون أنوفهم في الشأن السوري والشأن المصري دون رؤية الواقع الأردني، أن هناك مناطق لا يجرؤ "الجابي" على دخولها لتحصيل قيمة فواتير الكهرباء ؟ وهل يضمن النسور لأيّ "جابي" في المستقبل ان يتمكّن من الاقتراب من عدّدات الماء والكهرباء بعد أن يرفع قيمة فواتيرها إلى ما يفوق احتمال وقدرة الناس ؟! أم أنّه سيلجأ إلى قطع الطاقة على كلّ الأردنيين ؟! ويحملهم على اللجوء لاستخدام "الكاوشوك" المشتعل للإنارة والتعبير عن الغضب ؟!

الدولة يا حضرات ليست مزرعة تمارسون فيها هذه اللعبة المغامرة، يكفي هذا العبث، وإلاً فإن رجل الأمن المكتوي هو أيضاً بنار الأسعار لن يكون قادرا على حماية الناس، وعندها نكون قد بلغنا نقطة اللاعودة.. ولا يملك أيّ منكم الحقّ في إيصالنا إلى هناك !!

تابعو الأردن 24 على google news