"الراميانة" في كتاب بالعربية: ملحمة شعرية هندية مغرقة في القدم
عزيزة علي - "الراميانة" ملحمة شعرية هندية مغرقة في القدم مكتوبة باللغة السنسكريتية، وهي من الموروث الهندي المقدس وتنتسب إلى الشاعر الهندي فالميكي الذي يظهر في الملحمة بوصفه احدى شخصياتها، معتقدا أن القصيدة هي من إنشاء عدد من الشعراء والمنشدين، لتكون في النهاية بأبياتها التي تبلغ 24 ألفا، من صناعة العقل الجمعي الهندي وتعبيرا عن مخيال تلك الأمة ومعتقداتها.
صدرت الملحمة في كتاب بعنوان "الراميانة ملحمة معربة شعرا"، وهي من الأدب الهندي عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث مشروع "كلمة" للترجمة في ابو ظبي، وقام بترجمتها وديع البستاني وتحقيق د. خليل الشيخ ومراجعة بروفيسور ذكر الرحمن.
نائب المدير العام لشؤون دار الكتب الوطنية جمعة عبدالله القبيسي قال عن الكتاب "إن مشاعر الفرح تنتابه وهو يقدم هذا العمل الإبداعي العظيم"، مشيرا إلى الأهمية التي تنطوي عليها الملحمة من قيمة على شتى الصعد، فهي تقدم شيئاً مهماً من تاريخ الهند وحضارتها وأدبها ودينها ومخيلتها الجمعية.
ورأى أن العثور على ترجمة شعرية لبعض أجزاء الملحمة التي كان الشاعر اللبناني القدير وديع البستاني قد أنجزها وبقيت طي الأدراج، مؤكدا ان البستاني وهو الشاعر الذي أسهم في تعريب الكثير من إبداعات الهند كما في ترجمته للمهبراتة وغيرها من الأعمال التي تم نشرها من قبل.
وأشار إلى انه تم ترجمة الراميانة الى العربية نثراً في هذه الأثناء اكثر من مرة، لافتا إلى ان ما يتميز به العمل من روح شعرية عالية، لابد أن يعيد الى الذاكرة ما سبق أن فعله سليمان البستاني، عم المترجم، عندما قام بنقل الإلياذة الى العربية شعراً وهو ما بينه د. خليل الشيخ وهو يتحدث عن المترجم والعمل.
وأكد ان من فضائل الترجمة، استطاعت "كلمة" ان تقدم فيه اعمالاً متميزة، اثراء الثقافة العربية والاسهام في صناعة التقدم الفكري عن طريق التفاعل الثقافي الخلاق.
من جانبه قال المترجم وديع البستاني إن "لكل من أمتي الهند واليونان القديمتين فخرها الاكبر بملحمتين عظيمتين. فالمهبراتة القائمة على ما أثر من أخبار حرب عظيمة وقعت في الهند عند الالياذة الهندوانية والرميانة بما روته من ذكر امير نُفي وتاه وغامر، هي في ذلك كله والأوديسية سيان".
ويرى المترجم أن من وقف على قصة حرب الهند القدامى، وعلى قصة "راما العظمى"، فقد احاط بما ادخره الهندويون القدماء من ادب الشعر الملحمي الخالد. وبالأثرين معاً خير تمثيل لما قام في الهند، في سالف عصورها، من ثقافة وحضارة من مظاهر للحياتين السياسية والاجتماعية من آثار فكر ودين.
واعتبر البستاني أن "الراميانة" كالمهبراتة صُنعُ عصور تعاقبت على نموها الى ما هي اليوم، لافتا إلى ان القصة الرئيسة "أوفى وضوحاً لتوحد يد الابداع فيها"، فمن بيه جمهره من ازدهرت بهم الهند الشمالية، قبل الميلاد المسيحي بنحو الف عام، من اقوام عديدة عُرفت له ثقافة، ربما كان قزالة عود وفِداهة بحار الشمال، أوفى أهل زمانهم علماً وأدبا.
ويشير المترجم إلى أن المهبراتة نشأت عن أساطير ومأثورات تناقلتها أجيال عن حرب عظيمة وقعت بين جماعة "الكدرو" وجماعة "البنشالة"، في حين أن نشأة "الراميانة" جاءت عن ذكريات العصر الذهبي لقومي "القزالة والفداهة". مؤكدا على أن اشخاص المهبراته اناس من لحم ودم ذوو فضائل، أو نقائص عرف مثلها عن أهل الاثر والإحداث في عالم التاريخ، بخلاف أشخاص "الراميانة".
ورأى البستاني أن الشاعر اعتمد المهبراتة انما هو على المزعوم او الواقعي من اخبار حرب تنوقلت جيلاً بعد جيل في المحفوظ المروي من انشاد واشعار، يتناول ذلك كله فيحكيه سدى ولحمة لبردة خالدة. اما شاعر "الراميانة" فإنه يستوحي ذكريات عصر ذهبي للثقافة الهندوية، فيبدع مثلاً سامية للتقوى والايمان. ويتناول من معالم الحياة البيتية نواحي ومشاهد يبالغ في وصف قوامها من العواطف وصفاً دقيقاً رقيقاً هو السر في تحبيب شعرها حتى لأبناء الأجيال الهندوية الحديثة. فمن يرم شعر البطولة، فالمهبراته ملحمته المفضلة، ومن يرم متأصلاً في قرارة قلوب ملايين الأمة الهندوية فالرميانة ملحمته.
وأوضح المترجم انه ليس في الراميانة كلها شخص يمثل دور عزيمة متقدة وضغينة مستحكمة كدور أي من كرنا تجاه ارجون، او بيما تجاه دريدان. ولا في الراميانة كلها حادثة مستفزة للشعور، مثيرة للحفيظة كمقتل أبومنيا، أو كانتقام والده أرجون، أو كالصراع الأخير بين أرجون وكرنا، وبين بيما ودريدان، مشيرا إلى ان السياق الرامياني سياق مكبوت وادع، سلمي تقوي، بخلاف السياق المهبراتي الحربي الهياج.
ورأى ان الراميانة لا تكاد تدني المهبراتة عظمة بطولة، فإنها لتعلو عليها درجات في تصويرها للأرق والأعمق من تلك العواطف الواشجة في حياتنا اليومية والرابطة بين الناس في علم الاجتماع، منوها الى ان تلك الصورة الهندوية ما تزال حتى اليوم صورا تصدق الطبيعة وتنطبق على سائر الأقوام والأمم."الغد"