عندما يمارس الإصلاحيون التخدير!
سالم الفلاحات
جو 24 :
كنت أريد ان اكتب في كلمة في ذكرى مولد الحبيب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكني لم أجد مقدما على هذا الموضوع، لأنه عليه الصلاة والسلام بالقطع يريدنا امّة حرة كريمة رائدة.
تمر الشعوب العربية بعامة بمخاض واضح أنّه طويل الأمد، وهي تحاول ان تستأنف مسيرتها المعطلة وبناء دول حرة ديمقراطية مستقلة قوية، وهي التي كانت قد وُعدت قبل ثمانين سنة بتحرير فلسطين وبناء دولة عربية كبيرة.
فقد اجتمع عليها:ــ
•مكر الأعداء وكيدهم الممنهج
•محاصرة الأنظمة السياسية ومصادرتها لإرادتهم، بوسائل لا تخلوا من الفهلوة والذكاء، بحيث ترى ظل الحرية ولا تجدها، وشبهة الديمقراطية ولا تلمسها، والتغني بالحياة الحزبية والانتخابات الحرة وترى ضدها تماما حتى اذا اشرقت الشمس تبين انك كنت في حلم عميـــــق.
•وتخاذل الأصدقاء والأحزاب والنخب الا ما ندر.
وبدلا من ان تنال الشعوب استقلالها قبل عدة عقود بعد خروج المستعمر الظاهر، وبعد أن قدّم بعضُها الدماءَ غزيرة من ملايين الشهداء لتحقيق الحرية المفقودة، وجدوا أنفسهم في نفق جديد أشد وطأة وأكثر أثرا يصبح الحليم فيه حيرانا، والوطني العامل الجاد مُدانًا ومتهما، والباحثُ عن المخرج عبثيا وهوائيا وغير واقعي، بل غير منتم لأمته وشعبه.
ويكون مفهوما أن يزداد ويتعالى المكر الصهيوني وان يتطاول علينا، ويصرّح بين الفينة والأخرى أن الأردن وديعة له لدى الأردنيين ويريد استردادها اليوم أو غدا.
لكن غير المفهوم وغير المعقول وغير المقبول تحت أيّ ذريعة ان يتماهى البعض مع التسويف الرسمي لأكثر من مائة سنة، يطلب زيادتها بعشرين أخرى على الأقل كما أفاد رئيس اللجنة التحديثية التسعينية (بعظمة لسانه) حتى ينضج الشعب الأردني ويكون مؤهلا للديمقراطية، لينال حريته وكرامته واستقلال رأيه وتحقق إرادته ممثلة على أرض الواقع، وبناء دولته دولة الأنموذج الديمقراطية المنشودة. ولكنه تقبّل مشكورا بصدر رحب أنْ يجعلها عشرا فقط استجابة لطلب الملك.
ومع ذلك لن تجد إجابة على الكيف حسبما هو معلن بما يقنع حتى الأكثر تفاؤلا وتأملا وأكثرهم انخراطا في المشروع كما ذكر في مقال له الكاتب الأستاذ جميل النمري، باستثناء الوعود تلو الوعود المجرّبة بدل المرة عشرا، ويمكن احصاؤها خلال الثلاثين السنة الأخيرة فقط.
لكن الأشدّ ايلاما أن ينزلق من تصدّروا واجهة المطالبة بالإصلاح السياسي لعقود طويلة للقيام بتسويق الوعود التي لا تتحقق، وان ظهر شكلها فلن تجدلها حقيقة وان لمعت فليست ذهبا، وان ارتفع صوتها فلن تكون الا ضجيجا لا يفهم عند الاستحقاق، وحتى كأنّ الذين أمد الله بأعمارهم سبعين وثمانين عاما أو تزيد، والذين شهـــــدوا المشاهد كلها وخبروا التاريخ السياسي، يقومون اليوم/بقصد أو بغير قصد / بحمل الناس على تصديق دموع الصياد المنهمرة وهو يسدد بندقيته نحو العصافير المسبحة بحمد ربها، ويسافرون ويعقدون اللقاءات الشعبية بحركة دؤوبة في المحافظات ليس بجهدهم الفردي -كما يظهر-، إنما بترتيب منظّم من الهيئات واللافتات التي ينتمون اليها ولن يغير في الواقع شيئا حتى وإنْ استشهدوا -تسويغا- بأنهم وجّهوا بعض النقد والاعتراض، أو كالوا التّهم لغيرهم الذين عرقلوا جهودهم الكبيرة التي يريدها المواطن !!
انّ ممارسة التخدير بلا انعاش جريمة وموت محقق, وانْ مورس طبيا فهو لتحقيق غاية نبيلة مؤقتة جدا من أجل ان لا يشعر المريض بالألم اثناء اجراء عملية له , سرعان ما يكون الواجب القيام بالإنعاش للمريض المخدّر , وهذا ان كان ضرورة بشروطه في الطب ,فهو ليس مطلوبا في التصدي لإنقاذ الشعوب وبناء دولة حرة .
فتجميلُ القبيح لهم دثارٌ وتقبيحُ الجميل لهم شعارُ
نعم أرثي لشعبي الذي تناوب على تخديره /بلا إنعاش/ العدوُّ والصديق وحتى بعض النخب السياسية بقصد أو بغير قصد، فحسن النوايا لا قيمة له في هذا المجال ومن في الخارج ومن في الداخل.
انّ الذين لا يقرؤون ما بين السطور /مع أنّ الأمر من الوضوح لا يحتاج الى كثير من التدقيق/ ليس يأسا أو قعودا أو ضربا بالرمل أو عدميّة كما يحلو القول لبعض الهواة، انّما هو من مقتضيات معرفة التاريخ المشابه تماما في المقدمات والنتائج المدونة وبالتفصيل، ثم هومن نتاج التدقيق في محتوى المعروض، ومن كان معنيا بالدليل فسيجده بالتفصيل، والماء سيكذب الغطاس وكم كذبت كثيرا من الغرقى أدعياء المهارة وفي منعطفات عديدة.
•وانا هنا أقدم نصيحة لمن لديه الاستعداد لقبولها والنصيحة من محب مشفق, واعذر من تعالى عليها فان عجز المرء عن القيام بكل الحق الواجب فليس له أن يقول أو يسوّق أو يسوّغ الباطل ,حتى يأتي من يقوى على ذلك .
•وسيتعرض الطيبون للوم الضمير أولا /ان لم يطحن بعد قليل/
•وللندم ولات حين مندم
•وللوم الأجيال , وربما ما هو فوق اللوم بعد سنوات قليلة , أو عقد أو حتى بعد عقود .
وبعــــد
فإنّها أمانة وإن نقل الماء بالغربال لن يملأ كأسا واحدا طيلة النهار , ويا حسرة ناقله.
فلكـــــل هدف وسائله المحددة والا فهو التمني.
وليس من دأب العقلاء انتظار الذهب والفضة والخبز والكرامة والحرية وقوة الأوطان
•من السمــــــــــــــــــــاء.
•أو من الأعداء المتربصين ,
•أو من المستبدين الفاسدين الذين يرون مشروع التوعية الجادة والإصلاح أعدى أعدائهم، لأنه سيكشف الغطاء عنهم , ويحرمهم مما حصلوا عليه على حساب الشعب بغير وجه حق , ويجعلهم في مواجهة مكشوفة أمام العدالة .
والله أمرنا بالأمل وليس بالتمني والأماني, و بالعمل الحسن والأحسن والابتعاد عن اليأس المفضي الى التعلق بالقشة التائهة،
والسراب الذي لا يروي ظمآنا أو الانهيار لا قدّر اللـــــه.