قانون الجرائم الإلكترونية.. مساواة غير مفهومة بين المذنب ومزود خدمة الانترنت !
كتب رداد القلاب - بكثير من الألم يتذكر الطبيب أ.س (46 عاما) كيف تغّير مسار رحلته من مطار الملكة علياء الدولي إلى جمهورية مصر العربية، لحضور مؤتمر طبي فيتموز 2021، إلى السجن، حيث أوقفته السلطات الأمنية ليكتشف أنه "ممنوع من السفر ومطلوب للقضاء" دون أن يعطى مزيدا من التفاصيل.
يقول: لم تفلح كل محاولاتي لإنقاذ نفسي من هذا الموقف الغريب. أخبرتهم أنني طبيب، ولدي مركز صحي محترم يعمل فيه ثلاثون موظفا، ولم تسجل بحقي أي قضية سابقا، و حاولت توضيح ما قد يترتب على هذا التوقيف غير المفهوم لي من ضرر مادي ومعنوي سيمس سمعتي المهنية و الاجتماعية، دون جدوى".
ويتابع: تم تحويلي للاحتجاز في أحد المراكز الأمنية في العاصمة عمان، وسمح لي بإجراء مكالمة هاتفية مع عائلتي، التي طلبت منها ضرورة تكليف محامٍ لمتابعة القضية. ليتم تحويلي بعد ذلك الى سجن الزرقاء، حيث تصادف توقيفي مع عطلة نهاية الأسبوع التي تستمر لغاية صباح الأحد. وبعد حضور المحامية علمت أنني مدان بجريمة الكترونية، وفي التفاصيل أن إحدى المرافقات لمريضة استخدمت (الواي فاي) المجاني الخاص بالعيادة وقامت بارتكاب جريمة الكترونية بحق طليقها، الذي تقدم بشكوى ضد السيدة.
ويتساءل الدكتور أ.س، الذي خرج من سجن الزرقاء بكفالة بعد أن أمضى فيه أربعة أيام، "كيف تستقيم هذه المواد الواردة في قانون الجرائم الإلكترونية مع التوجهات لتطوير الاستثمار وبيئة الأعمال في البلاد؟ وكيف تتم محاكمة الأشخاص أو أصحاب الأعمال على تقديمهم خدمة (الواي فاي) للزبائن؟!". وقال :لحظة سجني كانت أسوأ لحظة في حياتي، لأنّي شعرت باهتزاز صورتي أمام ابنائي وزملائي في العمل.
في قضية أخرى منظورة أمام القضاء، قام موظف في إحدى مؤسسات القطاع العام بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في مكان عمله الرسمي من خلال جهاز الحاسوب العائد للمؤسسة. الموظف وجهت له تهمة ارتكاب جريمة إلكترونية بمخالفة المادة (75) من قانون الاتصالات ومخالفة المادة (11) من قانون الجرائم الإلكترونية. ومن خلال وحدة الجرائم الالكترونية في مديرية الامن العام تمت ملاحقته قانونيا عبر تتبع المعرف الرقمي( الـ IP address)للمؤسسة. اللافت في القضية أن المؤسسة نفسها لم تتم ملاحقتها كما حدث في حالة الدكتور أ.س.
يؤكد خبير الأمن السيبراني عيسى محاسنة، وجود "مشاكل" في قانون الجرائم الإلكترونية، منها "عدم وضوح الإجراءات المتبعة في التحقيق، حيث لا يتم الفصل بين من هو مرتكب للجرم ومن هو مزود للخدمة. فمرتكب الجريمة قد يستخدم شبكة موبايل شخص آخر التقاه في مكان ما دون علم هذا الشخص. وقد يستخدم أيضا شبكة الواي فاي المتاحة في الكثير من المقاهي لارتكاب فعل مخالف للقانون".
ويقول "أن القانون لا يتعامل بسوية واحدة مع المؤسسات الرسمية او الجهات الكبيرة كالمطار،مثلا، المزودة للخدمة، والمؤسسات الخاصة مثل ما شاهدنا في حالة الدكتور أ"، مشيرا إلى "عدم الحاجة لوجود قانون جرائم الكترونية أصلا، ذلك أن قانون العقوبات يغطي بالفعل الجرائم التي يمكن ارتكابها إلكترونيا".
من جهته يرى المحامي مروان قطيشات المتخصص بالجرائم الالكترونية"أنه من غير المنطقي ملاحقة مزود الخدمة قانونياً وقضائياً. فعلى سبيل المثال إذا قام أحد الأشخاص بشراء سكين واستخدمها في ارتكاب جريمة فهل يجوز ملاحقة البائع؟ قطعاً لا. كما أنه إذا قام نزيل في فندق ما بارتكاب جريمة فيه لا تتم ملاحقة الفندق قضائياً. ومن هنا نجد بأن مقدم الخدمة هدفه تقديم الخدمة بمعزل عن طريقة تسخير تلك الخدمة وطرق استخدامها.
ويضيف قطيشات: شركات الاتصالات هي شركات مزودة للانترنت في المملكة، ومع ذلك هي غير مسؤولة عن أي جريمة إلكترونية يقوم بها أي مواطن من خلال استخدامه لخدماتها.
الناطق الرسمي باسم مديرية الأمن العام العقيد عامر السرطاوي أوضح لنا أن الأمن العام "لا يقوم بتوجيه التهم للمؤسسات او الأشخاص، ولا يفصل بين من قام بالجرم أو اشترك فيه او قدم التسهيلات لارتكابه". وقال: إن وحدة الجرائم الالكترونية التابعة لمديرية الأمن العام تقوم برصد وتتبع المعرف الرقمي "IP address" للجهاز المستخدم في الجريمة الإلكترونية بغض النظر عن شخص من يمتلكه، وتحويل كافة الأطراف إلى القضاء.
وفقا لقانون الجرائم الإلكترونية النافذ يُستخدم مصطلح "الجريمة الإلكترونية" عادة لوصف الأفعال ضد سرية وسلامة وتوافر بيانات أو أنظمة الكمبيوتر، إضافة إلى الجرائم التقليدية المرتكبة من خلال الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات.
ووفقا لإحصائيات رسمية صادرة عن وحدة الجرائم الإلكترونية في الأمن العام الأردني، سجلت في العام 2020 أكثر من 9 آلاف و500 قضية، في حين سُجلت 7 آلاف و500 قضية عام 2019 ،دون تقديم تفصيلات بشأن القضايا.
وتُعنى وحدة الجرائم الالكترونية، بالتحقيق بجرائم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإنترنت (سرقة محتويات الخوادم الرئيسية للشركات والمؤسسات، سرقة حسابات البنوك عبر الإنترنت، جرائم التهديد والابتزاز، جرائم القرصنة ومختلف جرائم تكنولوجيا المعلومات) كما وتعمل على تقديم الدعم الفني والتقني لجميع شعب وأقسام إدارة البحث الجنائي. وتشمل الجرائم الالكترونية كافة الجرائم المنصوص عليها في القوانين الأردنية مثل"جرائم القدح والذم والتحقير لاجهزة الدولة ورموزها، والإرهاب.
يذكر أنه وفقا لتقرير أصدرته أواخر العام 2020 شركة "هوت سيت" -شركة كندية تعمل في مجال إدارة وتنظيم عمل تطبيقات التواصل الاجتماعي - فقد بلغت حسابات الأردنيين على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي نحو 10.9 ملايين حساب.